انسحاب "فاغنر" من الساحل الإفريقي: فراغ أمني جديد أم إعادة رسم للصراع الدولي؟


تشهد منطقة الساحل الإفريقي تطورًا لافتًا في المشهد الأمني والسياسي، بعد تسريبات وتقارير متقاطعة حول انسحاب تدريجي لمجموعة "فاغنر" الروسية من عدة دول إفريقية، أبرزها مالي وبوركينا فاسو.
يأتي هذا التحوّل وسط تساؤلات متزايدة حول مستقبل التوازنات في المنطقة، وتأثيره على خارطة النفوذ الدولي في واحدة من أكثر مناطق العالم اهمية.

منذ 2021، لعبت مجموعة فاغنر دورًا محوريًا في دعم أنظمة عسكرية جديدة في الساحل، خاصة بعد انسحاب القوات الفرنسية وتدهور العلاقات مع الغرب.
لكن مع مقتل زعيمها يفغيني بريغوجين وإعادة هيكلة التواجد الروسي في إفريقيا، تراجع تأثير فاغنر على الأرض، وسط تقارير عن انسحاب وحداتها القتالية تدريجيًا من بعض النقاط الساخنة.

بحسب مصادر ميدانية، يتم استبدال عناصر فاغنر تدريجيًا بوحدات أمنية روسية رسمية تابعة لوزارة الدفاع، في ما يبدو أنه تحوّل في استراتيجية موسكو من "الظل" إلى "الواجهة".


فتح انسحاب فاغنر الباب أمام سباق بين القوى الدولية لتعزيز حضورها في المنطقة.
بينما تتحرك روسيا نحو تموضع رسمي أكثر وضوحًا، تتجه الصين لتعزيز تعاونها الأمني والاقتصادي، عبر التدريب والدعم اللوجستي.
في المقابل، تسعى الولايات المتحدة لإعادة ترتيب حضورها، خاصة بعد الانسحاب من النيجر، في وقت لا تزال فيه فرنسا تكافح للحفاظ على الحد الأدنى من نفوذها السياسي والتنموي.

رغم تغيّر الأدوار الدولية، لا يزال الوضع الأمني على الأرض هشًا. فقد شهدت الأشهر الأخيرة تصاعدًا في هجمات الجماعات المسلحة المناهضة للدولة المركزية في مالي، وتوسعًا في نشاط تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
ومع غياب حلول سياسية حقيقية، باتت الأزمات الإنسانية في المنطقة تتفاقم، وسط تزايد النزوح وتراجع الخدمات الأساسية.


مستقبل منطقة الساحل الإفريقي لا يزال غامضًا. لكن السيناريوهات المحتملة تشمل:

مزيدًا من التدويل عبر دخول قوى جديدة وازنة مثل الصين وتركيا.

تحالفات أمنية إقليمية بديلة مثل “تحالف دول الساحل” الثلاثي (مالي، بوركينا فاسو، النيجر).

ضغوط دولية لاستعادة المسار الديمقراطي، خاصة بعد تزايد الانتقادات للانقلابات العسكرية المتتالية.


في المحصلة، يبدو أن منطقة الساحل تدخل مرحلة جديدة من الصراع المركّب، حيث تتداخل المصالح الدولية مع الفوضى المحلية، في غياب رؤية إقليمية موحدة.


يبقى المواطن الإفريقي في منطقة الساحل هو الخاسر الأكبر وسط هذه التحولات. وبين رهانات النفوذ الخارجي وتعثر مسارات الإصلاح الداخلي، يبقى الأمن والاستقرار رهين رؤية شاملة تتجاوز الحلول العسكرية
محمد ولد عمار