في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يبقى النزاع الإيراني - الإسرائيلي أحد أكثر الملفات اشتعالًا وتعقيدًا. فبينما يرى كثيرون أنه صراع "غير مباشر"، إلا أن امتداداته تتجاوز حدود التصعيد الإعلامي والخطابي، لتصل إلى مواجهات عسكرية محدودة، وحروب بالوكالة، وضغوط دبلوماسية واقتصادية متبادلة.
جذور الصراع
تعود أصول النزاع بين إيران وإسرائيل إلى ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979، حينما تبنّت طهران خطابًا معاديًا لإسرائيل، معتبرة إياها "كيانًا غاصبًا" ورافعةً لواء "دعم المقاومة الفلسطينية". وعلى مدار عقود، ساندت إيران فصائل مثل حزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة، ما شكّل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل على أكثر من جبهة.
من جانبها، اعتبرت تل أبيب أن البرنامج النووي الإيراني يشكّل خطرًا وجوديًا عليها، ودقت بقوة في الساحة الدولية – خصوصًا لدى الولايات المتحدة – نحو فرض عقوبات مشددة على طهران، بل ولم تتردد في تنفيذ عمليات استخباراتية واغتيالات استهدفت علماء إيرانيين.
حروب الظل والتصعيد الأخير
رغم أن المواجهة المباشرة بين الطرفين لم تحدث على نطاق واسع، إلا أن ما يُعرف بـ"حرب الظل" بين الطرفين ظل مستعرًا، خاصة في سوريا والعراق. ففي السنوات الأخيرة، نفذت إسرائيل مئات الضربات الجوية ضد مواقع تقول إنها تابعة لإيران أو لفصائل تدعمها، في حين ردّت طهران عبر أذرعها في المنطقة، دون إعلان رسمي.
إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت تصعيدًا نوعيًا، خصوصًا بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، حيث برزت مخاوف إسرائيلية من تنسيق إيراني أوسع مع حركات المقاومة، ومن إمكانية فتح جبهات متعددة، أبرزها من لبنان وسوريا والعراق.
وفي أبريل 2024، نفذت إيران لأول مرة هجومًا مباشرًا على إسرائيل باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ، ردًا على استهداف قنصليتها في دمشق. ورغم أن إسرائيل اعترضت معظم هذه الضربات، إلا أن الرسالة كانت واضحة: "الصراع خرج من عباءة الوكلاء".
ماذا بعد؟
تتزايد الاستفهامات حول مستقبل هذا الصراع: هل يتجه نحو حرب مفتوحة؟ أم سيبقى في إطار المناوشات المتبادلة عبر وكلاء الطرفين؟ في الواقع، الطرفان يدركان أن الدخول في حرب شاملة سيكون مكلفًا جدًا، ليس لهما فقط، بل للمنطقة برمتها.
لكن في ظل التغيرات في السياسة الدولية، خصوصًا تراجع أولوية الشرق الأوسط في أجندة الإدارة الأمريكية، وصعود قوى جديدة مثل الصين وروسيا، فإن ميزان القوى قد يشهد تحولات تفتح الباب أمام تطورات غير محسوبة.
يبدو أن الصراع الإيراني - الإسرائيلي سيبقى عنوانًا دائمًا للتوتر في الشرق الأوسط، سواء في صورته المباشرة أو غير المباشرة. لكن السؤال الحقيقي هو: إلى متى تستطيع المنطقة تحمل تبعاته دون أن تنفجر على نطاق أوسع؟
محمد ولد عمار