الولايات المتحدة لا تتخلى عن حلفائها، لكنها تدير أحيانًا نزاعاتهم من الخلف، في إطار ما تسميه "إستراتيجية الحافة المرنة".
"ترك واشنطن الباب مفتوحًا لصدام مباشر بين إسرائيل وإيران لا يعني أنها غائبة، بل يعني أنها تحولت من دور الشرطي إلى دور المخرج في مسرحية شرق أوسطية معقدة."
1. الحسابات الأمريكية:
الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن الدخول المباشر في صراع بين إسرائيل وإيران:
سَيُوَرِّطها في حرب إقليمية مفتوحة.
سيدمر علاقاتها الناشئة مع دول الخليج.
سيؤثر سلبًا على مواجهتها الكبرى مع الصين وروسيا.
ولهذا، فإن موقفها المتريّث يهدف إلى:
اختبار حدود القوة الإيرانية.
مراقبة قدرة إسرائيل على الحسم دون تدخل أمريكي مباشر.
استخدام الصراع لتحسين شروط التفاوض في ملفات مثل النووي الإيراني أو ترتيبات أمنية في الخليج، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأمريكي ترامب بقوله الضربة الإسرائيلية ستساعد إيران على التفاوض.
2. توازن الردع وليس التخلي:
إن ما تفعله واشنطن هو نوع من "توازن الردع من بعيد":
تسمح لإسرائيل بضربات محدودة ضد إيران (في سوريا، العراق، وربما العمق الإيراني).
وتبعث رسائل غير مباشرة لطهران بعدم التصعيد، مع ضمان ألا يتحول الصدام إلى حرب مفتوحة.
3. موقف المتفرج.. موقف مدروس:
الموقف "المتفرج" لواشنطن ليس ضعفًا بل مناورة استراتيجية:
فهي تمنح إسرائيل حرية التحرّك، لكنها لا تتبنى تبعات هذا التحرّك.
وهي تتيح لطهران اختبار الخطوط الحمراء، دون كسرها.
"أمريكا لا تريد حربًا، لكنها لا تمانع في أن تُستنزف قوى الطرفين – إسرائيل وإيران – ما دامت هي بعيدة عن الخسارة المباشرة."
4. السيناريو الأسوأ الذي تسعى أمريكا لتجنّبه:
إن استمرار واشنطن في إدارة الأزمة من الخلف قد ينقلب ضدها، خصوصًا إذا:
نفذت إيران ضربات كبيرة داخل إسرائيل.
أو اندلعت حرب في الخليج تهدد إمدادات النفط.
أو خرجت الأمور عن السيطرة في لبنان أو اليمن.
في هذه الحالة، قد تجد واشنطن نفسها مضطرة للتدخل، ولكن من موقع ضعف، بعد أن فقدت زمام المبادرة.
أمريكا لم تتخلّ عن إسرائيل، لكنها لن تدخل حربًا نيابة عنها.
موقفها "المتفرج" هو جزء من سياسة تقليص الكلفة، لا الانسحاب.
إذا تحولت المواجهة إلى حرب إقليمية شاملة، ستتدخل واشنطن فقط لضبط الإيقاع، لا لحسم المعركة.
محمد ولد عمار