موريتانيا اليوم: التحديات والفرص

تمر موريتانيا في الوقت الراهن بمرحلة دقيقة تُظهر بوضوح مدى الحاجة إلى مراجعة شاملة لسياساتها الداخلية وإستراتيجياتها التنموية. فبين ثقل الإرث التاريخي، وضغوط الواقع، وتطلعات الأجيال الجديدة، تبدو البلاد وكأنها على مفترق طرق، حيث لا يكفي التسيير التقليدي ولا تصلح الحلول الجزئية.

أولاً: الوضع السياسي – ديمقراطية شكلية ومؤسسات تبحث عن الثقة

رغم ما تحقق من انتقالات سلمية للسلطة، فإن المشهد السياسي في موريتانيا لا يزال يعاني من اختلالات هيكلية. الأحزاب السياسية تعاني من الانقسام وضعف التجذر المجتمعي، بينما تغيب التعددية الفاعلة لصالح ولاءات قبلية وجهوية. كما أن البرلمان – رغم حضوره الدستوري – لا يزال في كثير من الأحيان عاجزًا عن لعب دور رقابي فعّال، وتغلب عليه الاصطفافات السياسية الضيقة.

بل إن ضعف الثقة بين المواطن والمؤسسات العامة يهدد أساس النظام التمثيلي. المطلوب اليوم هو تجديد الحياة السياسية عبر إصلاح المنظومة الحزبية، وتعزيز استقلال القضاء، وضمان الحريات العامة وحرية التعبير، وفتح المجال أمام القيادات الشابة والكفاءات الوطنية للنهوض بالمجال العام.

 

ثانيًا: الوضع الاجتماعي – الفجوة بين الطبقات 

تواجه موريتانيا إشكاليات اجتماعية عميقة، تتجلى في استمرار ظواهر الهشاشة والفقر، إلى جانب استمرار التفاوت بين الفئات والشرائح الاجتماعية. ما زالت آثار التمييز الطبقي، ومظاهر الإقصاء حاضرة في البنية الاجتماعية، رغم الخطابات الرسمية.

الجهود الحكومية لمحاربة الفقر تبقى غير كافية، وغالبًا ما تفتقر للنجاعة أو الاستدامة. يجب الانتقال من المقاربة الخيرية إلى سياسة اجتماعية شاملة تقوم على العدالة التوزيعية، والتعليم المجاني الجيد، وتوفير الخدمات الصحية للجميع، وتمكين الفئات المهمشة عبر برامج حقيقية للدمج والتأهيل.


ثالثًا: الوضع الثقافي – غياب مشروع وطني للهوية

ثقافيًا، تبدو البلاد في حالة ضياع بين ماضيها الغني ومحيطها المتغير. فالثقافة الموريتانية، رغم غناها بالتنوع العربي والأفريقي، تعاني من التهميش المؤسسي وغياب الرؤية. لا توجد سياسة ثقافية وطنية واضحة تحفظ التراث، وتشجع الإبداع، وتوحد الانتماء الوطني ضمن تنوعه. كما أن التعليم لا يزال عاجزًا عن أن يكون جسرًا حقيقيًا للتماسك الثقافي والوطني.

ما تحتاجه موريتانيا هو مشروع ثقافي وطني يعزز التعدد ويزرع قيم المواطنة، ويعيد للاختلاف معناه الإيجابي بدلًا من أن يكون ذريعة للفرقة. ويجب ربط هذا المشروع بوسائل الإعلام، والمدرسة، والفن، والسياسة، لجعل الثقافة عنصرًا فاعلًا في التنمية لا مجرد ترف نخبوي.


رابعًا: الوضع الاقتصادي – اقتصاد هش رهين المواد الأولية

اقتصاديًا، تعتمد موريتانيا بشكل كبير على تصدير المواد الخام (كالحديد، والذهب، والسمك)، وهي صادرات حساسة لتقلبات السوق العالمية. في المقابل، لا تزال القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة المحلية ضعيفة، ويعاني الشباب من البطالة، كما تتسع الهوة بين النمو الاقتصادي والنمو الاجتماعي.

ورغم الجهود الرسمية لجذب الاستثمارات وتحديث البنية التحتية، فإن غياب الشفافية، وضعف الحوكمة الاقتصادية، وغياب الرؤية طويلة المدى، تقف حجر عثرة أمام إقلاع اقتصادي حقيقي.

إن المطلوب اليوم هو تنويع الاقتصاد، وتثمين الموارد الطبيعية داخليًا، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، و دعم الصناعة،وربط التعليم بسوق العمل، وإصلاح الإدارة لتكون أكثر فعالية وخدمة للمواطن.


إن التحديات التي تواجه موريتانيا اليوم ليست قدَرًا محتومًا، بل يمكن تحويلها إلى فرص إذا ما توفرت الإرادة السياسية الصادقة، والمشاركة المجتمعية الواسعة، والإدارة الرشيدة. مستقبل البلاد لن يُبنى بالخطب ولا بالمبادرات الشكلية، بل بالعمل المنهجي على إصلاح الدولة، وتجديد النخب، وتعزيز القيم، وبناء عقد اجتماعي جديد يقوم على المواطنة والعدالة.

لقد آن الأوان أن تنظر موريتانيا في المرآة بصدق، وتبدأ في التغيير من الداخل، فالعالم من حولها يتغير، والمجتمعات التي تتأخر عن الإصلاح تحكم على نفسها بالتهميش.
محمد ولد عمار