في واحدة من أبرز الخطوات الجيوسياسية منذ عودته إلى البيت الأبيض، يستعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعقد قمة رئاسية متوقعة مع خمس دول إفريقية، هي: موريتانيا، السنغال، نيجيريا، كينيا، وغانا. وتعد هذه القمة إشارة قوية إلى تغير نوعي في رؤية الإدارة الأميركية الجديدة – بقيادة ترامب – لمستقبل العلاقات مع القارة الإفريقية.
ويأتي هذا التحرك الأميركي في وقت حساس من التحولات الدولية، حيث تزداد المنافسة بين القوى الكبرى على إفريقيا، وتبحث دول القارة عن شركاء لا يكتفون بالخطابات، بل يأتون بالدعم والاستثمارات.
أولًا: لماذا هذه الدول بالذات؟
اختيار الدول الخمس ليس عشوائيًا، بل يندرج ضمن رؤية مدروسة:
موريتانيا: دولة مستقرة، ذات موقع استراتيجي يربط المغرب العربي بالساحل، تلعب دورًا متزايدًا في أمن المنطقة.
السنغال: نموذج ديمقراطي مستقر في غرب إفريقيا، وشريك تقليدي لواشنطن.
نيجيريا: أكبر اقتصاد في القارة، وقوة ديموغرافية وأمنية يصعب تجاوزها.
غانا: من أكثر الديمقراطيات استقرارًا في إفريقيا، ولديها موارد واعدة.
كينيا: لاعب محوري في شرق إفريقيا، ولديها أهمية أمنية واقتصادية كبرى.
ثانيًا: دلالات القمة
1. عودة أميركية إلى إفريقيا بشروط ترامب
ترامب لا ينظر إلى إفريقيا من منظور المساعدات أو البرامج الأممية، بل كقارة واعدة يجب أن تكون ساحة للمصالح الاقتصادية والأمنية الأميركية. القمة توجه رسالة للعالم أن واشنطن عادت إلى إفريقيا، ولكن بمنطق الصفقة والشراكة لا الوصاية.
2. كسر الصورة النمطية عن ترامب
طوال فترته السابقة، وُصف ترامب بأنه غير مهتم بإفريقيا. لكن هذه القمة، إذا أُحسنت إدارتها، قد تعيد رسم صورته كشخص واقعي لا يهمل القارة، بل يسعى لشراكة قائمة على الربح المتبادل.
3. توازن جيوسياسي جديد
باستثناء نيجيريا، فالدول المشاركة في القمة ليست منضوية كليًا تحت النفوذ الروسي أو الصيني، ما يوحي بأن ترامب يسعى لبناء محور إفريقي "معتدل" متوازن، بعيدًا عن الاستقطاب الحاد.
ثالثًا: موريتانيا... من التهميش إلى الشراكة
بالنسبة لموريتانيا، فإن وجودها في هذه القمة يحمل رسائل استراتيجية مهمة:
الاعتراف الأميركي المتزايد بدورها الإقليمي، خصوصًا في مجال مكافحة الإرهاب، وتأمين الساحل والصحراء.
فتح قنوات جديدة للتعاون العسكري والاقتصادي مع واشنطن في مرحلة تشهد تراجع النفوذ الفرنسي.
التموضع كوسيط محتمل بين واشنطن وبعض دول الساحل الأخرى التي تعاني من عزلة دولية.
موريتانيا لا تملك كثافة سكانية أو موارد هائلة مثل نيجيريا، لكنها تملك الموقع، والاستقرار، والعلاقات المتوازنة، وهي عناصر تجعل منها شريكًا "مفضلًا" في بيئة إفريقية مشوبة بالمخاطر.
رابعًا: هل تكون القمة بداية مشروع أميركي جديد في القارة؟
إذا نجحت القمة، فقد تمثل الخطوة الأولى في مشروع أميركي جديد تجاه إفريقيا يتمحور حول:
دعم مباشر للدول المستقرة بدلًا من التعامل مع الكتل الإقليمية المشلولة.
استثمار في مشاريع البنية التحتية والطاقة بدلًا من تقديم المساعدات التقليدية.
احتواء التمدد الروسي والصيني عبر النفاذ إلى اقتصادات وأسواق إفريقية واعدة.
خامسًا: السيناريوهات المحتملة بعد القمة
* السيناريو الإيجابي:
توقيع اتفاقيات تعاون أمني واقتصادي، وإطلاق مبادرة مشتركة لمكافحة الإرهاب في الساحل، مع ضخ استثمارات أميركية في البنى التحتية.
* السيناريو الرمزي:
أن تظل القمة مجرد استعراض سياسي من طرف ترامب، دون متابعة فعلية أو التزام مالي.
* السيناريو السلبي:
فشل في ترجمة الوعود إلى واقع، مما يعزز الاتجاهات نحو الصين وروسيا باعتبارهما أكثر جدية في التعامل مع القارة.
سادسًا: الفرص الموريتانية
التحرك بسرعة نحو مشاريع ملموسة بالتنسيق مع واشنطن (مثل مشاريع الطاقة الخضراء، الأمن الحدودي، وتطوير الموانئ).
استغلال القمة لتعزيز التموضع الدبلوماسي الإقليمي والدولي لموريتانيا كدولة وسطية ذات سياسة متوازنة.
تجنب التورط في استقطابات حادة بين الغرب والشرق، مع الحفاظ على البراغماتية في الشراكات الدولية.
القمة الأميركية الإفريقية المرتقبة بقيادة ترامب ليست مجرد اجتماع عابر. إنها علامة فارقة على أن خريطة إفريقيا الجيوسياسية يعاد رسمها من جديد. وموريتانيا، التي كانت يومًا على هامش المعادلات الكبرى، تقف اليوم أمام فرصة للدخول إلى قلبها.
يبقى الرهان على قدرة صانع القرار الموريتاني على التقاط اللحظة، والموازنة بين السيادة والمصالح، وبين الحضور الإقليمي والشراكة العالمية.
محمد ولد عمار