في عالمٍ يَبهَتُ فيه كلُّ شيء، تظلّ بعض الأسماء مثل الضوء، لا تنطفئ…
وحين يُهدهد الزمان جراحه، وينظر في مرآة ماضيه ليَلمح فيه ملامحه الأولى، فإنّه يقف بخشوعٍ أمام اسم المختار ولد داداه، لا كرئيسٍ عبر، بل كروحٍ أسّست الحضور من العدم، وشقّت للمكان اسمه، وللهُوية معناها.
أن يُسمّى قصر المؤتمرات باسم المختار، ليس قرارًا إداريًا، بل فعل وجدانيّ، إيماءة من ذاكرة الوطن نحو مقام أبٍ عتيق، حمل الصحراء على كتفيه كأنها نبوءة، وصاغ من حروف الرمال خطاب دولة، ووشّح القلوب باسم موريتانيا قبل أن تُكتب على الخرائط.
هو قصر، نعم، لكنه حين يُنسَب إليه، يتحوّل إلى مقام رمزيّ، إلى ضريحٍ للمعنى، إلى صمتٍ نبيلٍ يحرس ذاكرة البدايات.
كل جدار فيه يُنصت، كل قاعة فيه تُصغي، كأن الجدران تعرف أن صاحب الاسم الذي يعلوها لم يكن رجل حكمٍ فحسب، بل كان رجل قَدَر… ومبعوث الصحو إلى أرضٍ لم تكن تعرف بعدُ كيف تحلم.
في قصر المؤتمرات، حيث يلتقي المختلفون ويُبنى التفاهم من خيوط الصوت، يُصبح اسم المختار صلاة وطنية تُتلى بلا كلمات، ويُصبح الوقوف أمام اللافتة لحظة خشوع، تهمس فيها الأرواح:
"سلامٌ عليك، يا من لَمّ شتاتنا بحكمة، ونسج من تعدّدنا دولةً تقف على قدميها… حتى اليوم."
أيّ معنى أبلغ، من أن نخطّ على أبواب الحوار، اسم من فتح أبواب الوجود؟
أيّ وفاء أصدق، من أن نجعل سقف النقاش يُظلّل بروح من علّمنا أن الوحدة ليست شعارًا، بل شجرة تُسقى بالحلم، والصبر، والعدل؟
هكذا، لا يكون القصر مجرد حجر… بل ضوء،
ولا يكون الاسم مجرد لقب… بل دعاء،
ولا يكون التاريخ مجرد رواية… بل أثرٌ حيّ، نراه ونمضي، على هديه، نحو غدٍ يستحق منّا أن نحفظ الذاكرة، كما تحفظ الصحراء أسرارها في سكونها العميق.