الكلام الممنوع ليس قيدًا على الحرية، بل صرخة من أجل الوطن. هناك كلمات إذا نُطقت مزقت النسيج، وإذا تُركت تنمو صارت لعنة على الحاضر والمستقبل: العنصرية، الشرائحية، الجهوية… كلمات سوداء، كالأشواك في طريق أمة ما زالت تبحث عن وحدتها.
موريتانيا لم تُخلق لتكون فسيفساء متناحرة، بل لوحة واحدة، ألوانها متعددة لكنها تنسجم في كيان واحد. من يثير العنصرية إنما يحاول أن يمحو لونًا من هذه اللوحة، ومن يرفع راية الشرائحية أو الجهوية كأنه يكسر الإطار الذي يجمعنا. إن الحرية حين تنقلب إلى أداة تقسيم تفقد معناها، وتصير كالريح العقيم لا تُنبت سوى الخراب.
الدستور الذي ارتضيناه جميعًا ليس حبرًا على ورق، بل عهدٌ مكتوب بدماء الشهداء وآمال الأجيال. يقول بوضوح: الموريتانيون متساوون في الحقوق والواجبات. وأي دعوة تنقض هذا العهد هي خيانة صريحة للوطن. الوطن لا يُبنى بالصرخات الحاقدة ولا بالشعارات الممزقة، بل يُبنى حين نُدرك أن اختلافنا ثراء، وأن تنوعنا مصدر قوة، لا سيفًا مسلطًا على رقابنا.
فلنرسم جميعًا خطوطًا حمراء، لا تقيّدنا بل تحمينا: لا عنصرية، لا شرائحية، لا جهوية. هذه ليست شعارات جوفاء، بل حُرّاس للوطن. إن من يعبث بهذه الخطوط كمن يسكب الزيت على نارٍ مشتعلة، يدرك أنها إن تمددت لن تُبقي له دارًا ولا قرارًا.
أيها الموريتانيون، إن واقعنا يطلب منا أن نكون حراسًا للوحدة، لا شهودًا على تمزقها. فلنقف معًا ضد الكلمة المسمومة، ولنجعل من أصواتنا جسورًا تربط لا جدرانًا تعزل. لأن موريتانيا أكبر من كل العصبيات، وأبقى من كل الانقسامات، وأغلى من أن نتركها فريسةً للفتن.