أزواد: المفتاح الاستراتيجي للصراع والإستقرار في مالي / محمد ولد عمار

تتخذ حركة تحرير أزواد في شمال مالي موقعًا استراتيجيًا فريدًا يجعلها اللاعب الأكثر تأثيرًا في معادلة الأمن بالساحل الإفريقي. السيطرة على مساحات واسعة من الشمال، بما في ذلك الممرات الحدودية الحيوية وطرق التهريب، تمنح الحركة قدرة غير متكافئة على التأثير في أي عملية عسكرية أو أمنية في المنطقة. ليست مجرد قوة مسلحة، بل قوة محلية تتحكم في مجتمعاتها عبر روابط اجتماعية وثقافية متينة، ما يجعل أي تحرك ضدها محفوفًا بالمخاطر ويهدد بانفلات أمني يصعب احتواؤه.

تمتلك الحركة قدرة تفاوضية عالية، حيث يمكنها استخدام تهديد التصعيد أو استغلال مواقعها الاستراتيجية للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية. هذا التحرك المستمر بين الضغط والتفاوض يجعلها الورقة الرابحة في أي تسوية سياسية أو أمنية، إذ يصبح تجاهلها أو استبعادها من المعادلة مكلفًا للغاية، ويمكن أن يؤدي إلى تصعيد المواجهات وفقدان السيطرة على الوضع في الشمال.

القوة الحقيقية للحركة تكمن أيضًا في شبكة المعلومات والسيطرة المجتمعية. فهي قادرة على مراقبة الحدود، إدارة الموارد المحلية، واستغلال الظروف لصالحها أو ضد خصومها. أي طرف يسعى لإخضاعها أو تحجيم دورها سيواجه مقاومة مزدوجة: تحديًا أمنيًا مباشرًا عبر المعارك، وتأثيرًا اجتماعيًا من السكان المحليين الذين تدين لهم الحركة بالولاء.

بينما تسعى الدولة المركزية والدول الإقليمية لإرساء الأمن، تبقى أزواد اللاعب الذي يحدد مسار الأحداث. أي استراتيجية أمنية لا تأخذ موقف الحركة بعين الاعتبار ستكون محكومًا عليها بالفشل، إذ يمكنها دائمًا قلب موازين القوى عبر التحكم في نقاط الاشتباك الأساسية، سواء كانت حدودًا، طرق تهريب، أو تأثيرًا سياسيًا محليًا.

تكتيكيًا، تعتمد الحركة على ثلاث آليات رئيسية لتعزيز قوتها: الانتشار المرن والتحرك بين المناطق الصحراوية المفتوحة، ما يمنحها تفوقًا في المناورة على القوات التقليدية، السيطرة على شبكات اجتماعية محلية قوية تضمن ولاء القبائل والقبول المجتمعي لوجودها، ما يقلل من فرص التجنيد من قبل خصومها، وأخيرًا الاستغلال الذكي للمعلومات الاستخباراتية لتخطيط عمليات عسكرية أو سياسية بدقة عالية، وتحويل أي تهديد محتمل لصالحها.

يمكن تصور ثلاثة مسارات رئيسية لموقف الحركة وتأثيرها على الاستقرار: التعاون السياسي والأمني، حيث تعمل الحركة كحليف غير مباشر للدولة المركزية وتتيح للشمال المالي استقرارًا نسبيًا عبر ضبط الحدود والممرات الحيوية، ما يقلل من قدرة الجماعات الإرهابية على التمدد، والتصعيد المباشر أو الإقصاء، حيث ترفض الحركة أي مشاركة أو تنازل فتتصاعد الاشتباكات المسلحة ويزداد الاعتماد على التحالفات الخارجية، ما يخلق موجة عنف واسعة وتفكك الأطر الأمنية التقليدية، والضغط التفاوضي المكثف، حيث تستخدم الحركة ورقتها الاستراتيجية للحصول على مكاسب سياسية أو اقتصادية من الحكومة بينما تحافظ على استقرار محدود في مناطق نفوذها، ما يحوّلها إلى لاعب رئيسي في صياغة أي اتفاق أمني أو سياسي.

تتحول حركة تحرير أزواد إلى الورقة الخفية التي تحدد مسار الأحداث الأمنية والسياسية. القوة العسكرية، النفوذ المجتمعي، والتحكم بالمعلومات تجعل منها لاعبًا لا يمكن تجاهله، وأي استراتيجية تهدف إلى استقرار الساحل الإفريقي يجب أن تبني حول قدرتها على التأثير. التعامل الذكي معها وتحويلها من مصدر تهديد إلى ركيزة استراتيجية يمكن أن يحوّلها إلى عنصر استقرار حقيقي، بينما تجاهلها أو محاولتها الإقصاء يفتح الباب أمام انفلات أمني واسع وتهديد مباشر لبقية المنطقة.