"الوطن المشترك"... لكن دون شركاء..!/ محمد ولد عمار

كأن المسألة لا تخصنا... كأننا مجرد مشاهدين على مسرح أُعِدَّ دوننا، نراقب مشاهده بهدوء، ننتقد من خلف الشاشات، نغضب في مجالسنا، ثم ننام مطمئنين أن لا شيء سيتغيّر.

لسنا معنيين، كما تشير سلوكياتنا، لا بالحاضر الذي نعيشه، ولا بالمستقبل الذي يُصاغ من بين أيدينا، ولا بالتخطيط الذي غاب، ولا بالأهداف التي تشتّت، ولا بالنتائج التي لا تُرضي أحدًا، ولا بالتنمية التي أضحت شعارًا يُكرر أكثر مما يتحقق.

إنّ اليد الواحدة لا تُصفّق، لكنها أيضًا لا تُساءَل وحدها. فالوطن، ليس مسؤولية الحاكم وحده، ولا هو ضحية موظف صغير أو وزير عابر. نحن جميعًا مسؤولون، شركاء فيما يجري، وإن بنسب مختلفة.

منذ الاستقلال، تعاقبت على البلاد حكومات وأنظمة وشخصيات، تبدّلت الملابس والإجراءات والكلام، لكن ظلت العقلية نفسها.

ثم جاءت الأجيال الجديدة، وبدلاً من أن ترفع المشعل، ورثت القوالب الجاهزة، فكرّست الصمت والاعتياد. تحوّل المواطن إلى آلة شكوى لا تقترح، ومعارضة تتقن الرفض أكثر من البناء، ونخب ثقافية ترث الكلام دون موقف.

كلنا نتكلم عن الفساد، لكن من منا لم يصمت حين احتاج موقفا؟ من منا لم يسعَ إلى واسطة هنا، أو استثناء هناك؟ من منا لم يعتبر "خرق القانون" نوعًا من "الذكاء الاجتماعي"؟ هكذا، أصبحنا نعيش في وطن ، تشارك فيه الأغلبية بالصمت أو بالتبرير أو بالاستفادة العابرة.

الطرقات التي لا تصمد شتاءً واحدًا ليست إلا انعكاسًا لعقليات لا تؤمن بالإتقان. المستشفيات التي تفتقر لأبسط الخدمات ليست إلا ثمرة سنوات من تهميش الكفاءات وتقديم الولاءات. المدارس التي خرجت عن الخدمة لم تسقط فجأة، بل انهارت بسقوط هيبة التعليم، وبانهيار المعلم في سلم القيم الوطنية.

ورغم هذا، ما زلنا نترقب، كأن دولة كاملة يمكن أن تُبنى بقرار، أو يصلحها خطاب، أو ترفعها نية صالحة في قمة الهرم دون إرادة جماعية في القاعدة.

إنّ التغيير الحقيقي يبدأ من اعتراف جماعي بأنّ ما وصلنا إليه هو نتاج طبيعي لعمل جماعي، تقاسمنا فيه المهام بين فاعل ومُبرّر وصامت. وأنّ مشروع الدولة لن ينهض إلا حين يؤمن كل فرد بأنّ له دورًا لا يُعفى منه.

نحن لا تحتاج إلى مزيد من التشخيص، بل إلى إرادة في التغيير، تبدأ من الذات وتنتهي في المؤسسات. تحتاج إلى دولة لا تحتكرها جهة، ولا يُختصر فيها المواطن في بطاقة انتخابية أو رقم إحصائي. دولة تتّسع للجميع... ولكنها لا تسامح أحدًا على التقصير.

فإن أردنا أن نُصفّق فعلاً، فلنخرج أيدينا جميعًا من جيوب اللامبالاة... ولنجعل الوطن مشروعًا جماعيًا لا صفقة   فردية.