منذ تسلمه السلطة في مارس 2024، قاد الرئيس السنغالي بشير جوماي فاي البلاد في شراكة سياسية غير مألوفة في المشهد السياسي السنغالي، حيث أتى إلى الحكم مدعومًا بقوة من زعيم المعارضة السابق أسْمان سونكو، الذي يشغل اليوم منصب رئيس الوزراء. هذا التحالف غير المسبوق بين جناحين سياسيين مختلفين، يجمع بين إرادة التغيير الشعبي ورغبة المؤسسات في المحافظة على الاستقرار، لكنه يثير تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين الرجلين، وحدود الشراكة، وآفاق الاستمرار.
أولًا: جذور التحالف وأسباب الصعود
وصل بشير فاي إلى سدة الحكم مرشحًا عن "التحالف من أجل القوى الحية" الذي يضم حركات شبابية وشعبية بقيادة أسْمان سونكو، إثر موجة احتجاجات شعبية أطاحت بالمنظومة التقليدية بقيادة الرئيس السابق ماكي صال.
سونكو، الذي مُنِع سابقًا من الترشح لأسباب قانونية، اختار دعم فاي كممثل عن التيار التغييري، في خطوة فُهمت على أنها تحالف الضرورة لإحداث انتقال سلمي للسلطة دون الانزلاق إلى الفوضى.
ثانيًا: طبيعة العلاقة بين الرجلين
رغم الروابط السياسية الظاهرة، فإن العلاقة بين فاي وسونكو تُخفي تناقضات جوهرية:
فاي رجل تكنوقراطي، هادئ، يميل إلى البيروقراطية والمأسسة.
سونكو زعيم شعبي، خطابي، تعبوي، له قاعدة شبابية واسعة ويُعد الوجه الأبرز للمعارضة السابقة.
هذه الثنائية جعلت العلاقة بين الطرفين تتأرجح بين الانسجام البراغماتي والتوتر السياسي المكتوم، خصوصًا مع محاولة كل طرف بسط سيطرته داخل مفاصل الدولة.
ثالثًا: بؤر التوتر بين الرئيس ورئيس الوزراء
1. السلطة الفعلية: رغم أن فاي هو الرئيس، إلا أن نفوذ سونكو داخل الشارع يجعله رقماً لا يمكن تجاوزه في أي قرار سياسي، وهو ما يثير توترات بشأن من يقود فعليًا دفة الحكم.
2. الملف الأمني والاحتجاجات: ظهرت تباينات في التعامل مع المظاهرات وملف المعتقلين، حيث يميل سونكو إلى مواقف أكثر راديكالية، فيما يحاول فاي تبني نهج توافقي.
3. الاقتصاد والتوجهات الدولية: يُتهم سونكو برغبة في فك الارتباط مع فرنسا والغرب، بينما يحرص فاي على إبقاء علاقات متوازنة مع القوى التقليدية.
رابعًا: أبعاد العلاقة: سياسية، اجتماعية، إقليمية
سياسيًا: العلاقة بين الرجلين تمثل حالة من التوازن الهش بين تيار التغيير الراديكالي ومؤسسات الدولة التقليدية.
اجتماعيًا: الشباب الذين ساندوا سونكو يتوقعون تغييرات سريعة، ما يضغط على الحكومة ويزيد من احتمالات الخلاف.
إقليميًا: القوى الإفريقية تراقب الوضع بحذر، وتخشى من أن تؤدي أي صدامات بين الطرفين إلى زعزعة استقرار أحد أكثر البلدان استقرارًا في غرب إفريقيا.
خامسًا: الآفاق المستقبلية: تحالف دائم أم انفجار وشيك؟
السيناريو الإيجابي: إذا نجح الطرفان في بناء مؤسسات مستقلة وتقديم إصلاحات ملموسة، فقد يتحول تحالفهما إلى تجربة ديمقراطية فريدة في إفريقيا.
السيناريو السلبي: في حال تغلبت الحسابات الشخصية أو فشلت الإصلاحات، فإن البلاد قد تعود إلى دائرة التوترات والانقسامات، خاصة إذا قرر سونكو الترشح للرئاسة مستقبلًا.
السيناريو الرمادي: بقاء الوضع على ما هو عليه في إطار "هدنة سياسية" غير معلنة، تُسيّر الأمور اليومية دون توافق استراتيجي فعلي.
تحالف بشير فاي وأسْمان سونكو هو نتيجة ظرف استثنائي في تاريخ السنغال، لكنه ليس محصنًا من الخلافات. نجاح هذا النموذج يتوقف على قدرة الطرفين على تجاوز الطموحات الشخصية، والعمل بمنطق الدولة لا الحزب. أما الفشل، فقد يفتح الباب أمام صراعات داخلية لا تُحمد عقباها، ويهدد بتقويض مكتسبات الديمقراطية السنغالية.