تشهد الساحة السياسية السنغالية مرحلة دقيقة وحاسمة، في ظل التوتر المتصاعد بين الرئيس بشير فاي ورئيس وزرائه وزعيم حزب "باستيف" عثمان سونكو. هذا الثنائي، الذي اجتمع على منصة واحدة بعد انتخابات 2024 التاريخية، وجد نفسه سريعًا أمام تحديات كبيرة: إدارة دولة متعطشة للتغيير، وشعب ينتظر ترجمة الوعود إلى إنجازات، وتحالف سياسي هش بدأ ينهار.
أولًا: من التحالف إلى التنافر
تولى بشير فاي، الرئيس الشاب، الحكم بدعم قوي من التيار الشعبوي بقيادة سونكو، الذي فضّل البقاء في منصب رئيس الوزراء رغم اعتباره القوة المحركة وراء الفوز. غير أن علامات التباين بدأت تظهر مبكرًا، لا سيما بشأن أولويات الحكم، حيث بدا أن الرئيس يسعى لتهدئة الأوضاع داخليًا وخارجيًا، بينما يتمسك سونكو بخطاب تصادمي أكثر جذرية، ما خلق هوة في الرؤية الاستراتيجية.
ثانيًا: مظاهر الخلاف
ظهرت عدة مؤشرات على توتر العلاقة:
الخطاب الإعلامي: تصريحات متعارضة أحيانًا، أو متقاطعة بين الطرفين، توحي بغياب الانسجام و التناغم.
توزيع الصلاحيات: يبدو أن الصراع غير المعلن يدور حول من يمسك بزمام القرار الفعلي، خاصة في ملفات الأمن والاقتصاد.
الولاءات الحزبية: لا يزال كل من الرجلين يحمل وفاءً لمشروعه السياسي، ما يجعل تقاسم السلطة أشبه بمعادلة صعبة التنفيذ و الخلاف على بعض التفاصيل في الرؤية و المعالجة.
ثالثًا: هل خرج الخلاف عن السيطرة؟
رغم الضغوط المتزايدة، لم ينفجر التحالف بعد، لكن الوضع ينذر بتصعيد محتمل. خصوصًا إذا استمرت الاختلافات دون إدارة سياسية حكيمة. ثمة خشية من أن يتحول التوتر إلى أزمة دستورية أو شلل حكومي، لا سيما أن البلاد تمر بمرحلة إعادة هيكلة على مستويات عدة، في ظل تطلعات الشباب والشارع إلى تحول حقيقي.
رابعًا: أبعاد الخلاف
البعد السياسي: يتمثل في الصراع بين شرعية الرئاسة وشرعية الزعامة الشعبية، حيث يرى كل طرف نفسه الأجدر بتوجيه الدولة.
البعد الاقتصادي: تتضارب رؤى الرجلين حول النموذج التنموي الأنسب، فالرئيس فاي يميل إلى الانفتاح الاقتصادي المتوازن، بينما يدعو سونكو إلى مواجهة الهيمنة الأجنبية واستعادة السيادة الاقتصادية.
البعد الإقليمي والدولي: يحرص الرئيس على تحسين علاقات السنغال الخارجية، في حين أن رئيس الوزراء لا يتردد في انتقاد المؤسسات الدولية، ما يسبب توتراً في بعض القضايا الحساسة.
خامسًا: سيناريوهات المستقبل
الاحتواء السياسي: إذا نجحت الوساطات الداخلية أو الإقليمية في إعادة الثقة، فقد يستمر التحالف بشكل متوازن ولو مؤقتًا.
الانفصال التدريجي: من الممكن أن يتجه كل طرف إلى تقوية قواعده الشعبية تمهيدًا لفك الارتباط، خصوصًا إذا استشعر أحدهما أن الآخر يستعد لمعركة انتخابية مبكرة.
الانفجار السياسي: وهو السيناريو الأسوأ، حيث تتحول الخلافات إلى شلل في المؤسسات أو احتجاجات شعبية، تُهدد التجربة الديمقراطية السنغالية برمتها.
الخلاف بين شركاء الحكم في السنغال لم يخرج عن السيطرة بعد، لكنه يقترب من الحافة. لا تزال أمامهم فرصة لكتابة صفحة جديدة من التوافق السياسي، لكن ذلك يتطلب شجاعة في التخلي عن الحسابات الضيقة، وصدقًا في تقديم مصلحة البلاد على الطموحات الفردية. فهل ينجح الرجلان في تجاوز "شهر العسل السياسي" والدخول في مرحلة النضج المؤسسي؟ أم أن السنغال على اعتاب أزمة جديدة؟