في خطوة أثارت الكثير من الأسئلة، دعت وزارة الداخلية السنغالية كلاً من صمب تام، والناشط السياسي بيرام الداه اعبيد، إلى توقيف أي نشاط سياسي أو تعبوي على الأراضي السنغالية. القرار بدا مفاجئًا للبعض، وصادمًا لآخرين، خاصة أنه صدر في توقيت حساس يشهد فيه المحور الموريتاني-السنغالي حالة من إعادة التموضع الجيوسياسي، بعد التحولات السياسية في داكار وصعود ثنائية بشير فاي – عثمان سونكو إلى سدة القرار.
رسالة مزدوجة: لا سياسة على أرضنا... حتى ...؟
بقراءة أولية، لا يبدو أن القرار السنغالي مجرد إجراء إداري، بل هو رسالة سياسية موجهة لعدة أطراف في آن واحد:
إلى موريتانيا الرسمية: لا يمكن استخدام السنغال كمنصة سياسية لأي رسائل، حتى من رموز السلطة أنفسهم.
إلى المعارضة الموريتانية: السنغال، رغم انفتاحها، لن تكون ساحة بديلة للنشاط السياسي الخارجي.
إلى الداخل السنغالي: الحكومة الجديدة ليست بوابة لتدخلات أو نشاطات إقليمية قد تُحرج سيادتها.
صمب تام: هل خرج عن الدور المحدد؟
بحسب المحلليين الموريتانيين، فإن "الرسالة موجهة بصفة خاصة إلى صمب تام،كمسؤول سابق ومعارض حاليا، وأي نشاط له خارج التنسيق الرسمي يُفهم كتحرك موازٍ أو خارج عن القنوات العلنية".
"ربما حاول تام استثمار حضوره الشخصي لبناء شبكة نفوذ ناعمة في داكار، لكن السنغال الجديدة تريد ضبط الإيقاع من البداية."
بيرام: حلم الإقليمية يصطدم بواقعية السيادة
أما بيرام الداه اعبيد، الذي لطالما سعى لخلق روابط سياسية واجتماعية مع النخب السنغالية ذات التوجه الراديكالي، فقد بدا عليه أنه يؤسس لامتداد إقليمي لنضاله الحقوقي والسياسي.
لكن القرار السنغالي حمل له رسالة واضحة:
"داكار ليست ساحة مفتوحة للتحريض أو لبناء جبهة نضال عابرة للحدود."
يرى محللون سنغاليون أن بيرام "بدأ يشكل مصدر قلق لبعض الدوائر السنغالية التي تخشى من العدوى الثورية، خصوصًا في ظل تشابه الهشاشة الاجتماعية بين البلدين".
"السنغال لا تريد صدامًا مع نواكشوط، لكنها أيضًا لا تريد أن تتحول أرضها إلى منصة لأي خطاب خارج السيطرة."
هل نحن أمام صراع مقنّع؟
تبرز فرضية أن العلاقة بين بيرام وصمب تام، التي تبدو متناقضة علنًا، قد توحدها الآن الإزاحة من المشهد السنغالي. فـكلاهما أُبعد برسالة واحدة، وكأن النظام السنغالي يقول:
"نحترمكم، لكن العبوا في ملعبكم".
وهنا يمكن للمهتمين بالشأن الإقليمي أن يتساءلوا:
هل بدأ النظام السنغالي ينظر إلى موريتانيا بعيون الحذر بدل التآخي؟
وهل كان هناك نشاط أو تنسيق بين بيرام وتام تجاوز السقف المقبول؟
أم أن السنغال تسعى لتقوية علاقاتها مع النظام الموريتاني من دون الدخول في تعقيدات نخبه؟
الرسالة السنغالية تعني شيئًا واضحًا: الملعب السياسي الموريتاني يجب أن يُدار من نواكشوط، لا من داكار. ومهما بلغت قيمة أو رمزية صمب تام وبيرام، فوجودهما السياسي خارج الحدود صار مصدر ارتباك أكثر منه قوة ناعمة.
وفي النهاية، قد تكون هذه الخطوة نهاية وهم "السرداب الخفي" بين الرجلين على الساحة السنغالية، لكنها بالتأكيد بداية مرحلة جديدة من التوازنات الدقيقة في العلاقة بين البلدين، حيث لا مجال للأدوار الرمادية.
محمد ولد عمار
"