المعارضة الموريتانية و إنقاذ التناغم السياسي: بين متطلبات الحوار و مسؤوليات مشروع الدولة/ محمد ولد عمار

في ظل التغييرات السياسية والاجتماعية التي تشهدها موريتانيا، تتجه الأنظار إلى الدور الذي يمكن أن تؤديه المعارضة في تعزيز الانسجام الوطني وإنجاح مشروع الدولة. فبين دعوات الحوار الوطني وتنامي الخلافات السياسية، يبرز التساؤل المركزي: ماذا يمكن أن تقدم المعارضة لتهيئة بيئة سياسية متوازنة تؤسس لحوار جاد ومسؤول ينعكس على استقرار الدولة ونموها؟


أولا: المعارضة في السياق السياسي الموريتاني: التحديات والبدايات
عرفت موريتانيا مسارا سياسيا متعدد الجوانب منذ التعددية الحزبية مطلع التسعينات. وتموضعت المعارضة كمكون أساسي في المشهد، تتراوح أدوارها بين التصعيد والمشاركة، وبين المقاطعة والانخراط. واليوم، تقف عند مفترق طرق يتطلب منها إعادة النظر في آلياتها السياسية بما يتماشى مع متطلبات اللحظة الوطنية.

الإرث السياسي للمعارضة: خطاب احتجاجي، ومطالب إصلاح، ورفض للبنية الأحادية للقرار.

التغيرات الجديدة: بيئة إقليمية مضطربة، تصاعد الحركات الشبابية، تحديات اقتصادية.

النظام الحالي: يبعث بإشارات متباينة بين الانفتاح والضبط السياسي.


ثانياً: الحوار الوطني – حتمية لا بديل


الحوار في السياق الموريتاني ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية لضمان استمرارية الدولة، في ظل التهديدات الأمنية (الساحل، الإرهاب)، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية.

ما المطلوب من المعارضة؟

1. الابتعاد عن النزعة التصادمية: وتبني خطاب سياسي وطني جامع.


2. تحديد أولويات واقعية للحوار: تشمل العدالة الاجتماعية، الإصلاح الانتخابي، الضمانات الدستورية، والحريات.


3. تهيئة مناخ الثقة: عبر إيقاف حملات التخوين والانفتاح على المبادرات المدنية.


4. الإسهام في توحيد أجندات الكتل السياسية المعارضة، ووقف تشتتها التنظيمي.

 

ما المقابل المتوقع من السلطة؟

تهيئة شروط حوار جاد: بإشراف مستقل، وضمانات تنفيذية.

إشراك الجميع، دون إقصاء أو انتقائية.

وقف استعمال أدوات الدولة في الصراع السياسي.


ثالثاً: الانسجام السياسي – خيار استراتيجي في مشروع الدولة


إن استقرار موريتانيا وتماسك نسيجها السياسي والاجتماعي يرتبط عضوياً بمدى قدرة الطبقة السياسية – وعلى رأسها المعارضة – على تجاوز الخلافات الظرفية، والالتفاف حول الأولويات الكبرى:

الأمن الإقليمي والدفاع عن سيادة الدولة.

العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد.

التنمية الشاملة وتقليص الفوارق الجهوية.

إعادة تعريف مفهوم الحكم الرشيد.


في هذا الإطار، على المعارضة أن تعي أنها جزء من مشروع الدولة، لا مجرد قوة رقابة أو خصم سياسي.

 

رابعاً: مسؤولية النخب في بناء اللحظة التوافقية


تتحمل النخب السياسية والفكرية – من المعارضة والموالاة – مسؤولية تاريخية في تأسيس لحظة توافقية جديدة، تتجاوز التشنجات التقليدية، عبر:

إعادة صياغة العقد السياسي والاجتماعي.

إشراك الشباب والفاعلين الجدد في الفضاء السياسي.

فتح المجال أمام المجتمع المدني المستقل للمساهمة في صياغة الحلول.


لم تعد المعارضة الموريتانية مطالبة فقط برفع سقف المطالب، بل بات من مسؤوليتها الوطنية تقديم تنازلات عقلانية والمساهمة بفاعلية في حوار جامع ومنفتح، يؤسس لعهد جديد من الانسجام السياسي. إن موريتانيا، وهي تواجه تحديات داخلية وإقليمية معقدة، بحاجة إلى كل مكون من مكوناتها، وفي مقدمتهم المعارضة، لترسيخ مشروع دولة قادرة على الصمود والتطور، على قاعدة التوازن بين الحرية والمسؤولية، والاختلاف والاحترام المتبادل.