مهرجان التمور الدولي في كيفه 2025: الواقع والآفاق

تُشكّل التمور، بوصفها أحد أبرز المحاصيل الزراعية في البيئة الواحاتية، ركيزة أساسية من ركائز الأمن الغذائي والتنمية المحلية في مناطق عدة من موريتانيا، ولا سيما في ولايات الحوضين وتكانت وآدرار و لعصابه. وفي هذا السياق، يأتي تنظيم النسخة الرابعة من مهرجان التمور الدولي في مدينة كيفه، عاصمة ولاية لعصابه، خلال الفترة من 25 إلى 27 يوليو 2025، بوصفه تظاهرة اقتصادية وثقافية وتنموية كبرى، تُجسد رهانات متعددة تتقاطع فيها الجوانب الزراعية والبيئية والاجتماعية.

ينعقد مهرجان التمور في كيفه بدعم من وزارة الزراعة، وجائزة  خليفه الدولية لنخيل التمر و الابتكار الزراعي، وعدد من الفاعلين المحليين والدوليين. وقد تمّ الإعلان عن فئات متنوعة للمشاركة، تشمل جائزة أفضل مزرعة نخيل، وأفضل منتج تمور ، وأفضل مزارع منتج، فضلًا عن مسابقات متخصصة في أصناف موريتانية أصيلة مثل "سلمدينة" و"سكاني" و"المهبولة" "تنتركل" "احمر" .

وتشهد مدينة كيفه، قبيل انطلاق المهرجان، حراكًا لافتًا على مستوى التجهيزات والتحضيرات اللوجستية، حيث أُعدّت فضاءات العرض بطريقة تضمن راحة الزوّار وتُبرز جودة المنتجات، كما تمّ توفير كميات كبيرة من التمور المنتقاة والمخزّنة في ظروف ملائمة للعرض والتسويق.

ورغم هذه الجهود المبذولة، لا يُخفى على المتابع حجم التحديات البنيوية التي تواجه القطاع الزراعي في المدينة؛ إذ تعاني الزراعة عمومًا من محدودية الدعم التقني، وغياب شبكات الري الحديثة، وضعف البنى التحتية والخدمات المرتبطة بالتسويق. وهي عوامل تجعل المهرجان، في جانب منه، مرآة عاكسة لمفارقة قائمة بين الطموحات التنموية والواقع الزراعي الهش.

لا يقتصر مهرجان التمور على الجانب الاحتفالي أو العرضي، بل يتجاوز ذلك إلى آفاق تنموية واسعة.

يشكّل المهرجان فرصة لربط المنتجين المحليين بالأسواق، وتعريفهم بأساليب التصنيع والتحويل والتغليف الحديثة، مما يسهم في خلق قيمة مضافة للمنتج الوطني ويزيد من قدرته التنافسية.

من خلال استقطاب الزوّار والمهتمين من داخل البلاد وخارجها، يفتح المهرجان نافذة للتعريف بمؤهلات كيفه الزراعية والثقافية بشكل خاص و الولايات الواحتية بشكل عام، ويتيح فرصًا للتبادل التجاري والفني، بما ينعكس إيجابًا على الدورة الاقتصادية المحلية.

بتنظيم ورشات متخصصة وندوات مصاحبة، يسعى المهرجان إلى ترسيخ ثقافة الابتكار في مجال زراعة النخيل، وتشجيع البحث الأكاديمي في مجالات الزراعة الواحاتية والتصدي لتحديات التغير المناخي والتصحر.

يُعدّ المهرجان منصة للتلاقي بين مختلف الفاعلين: الوزارة، والمزارعين، والاتحادات، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، مما يخلق بيئة تعاون تُعزز استدامة الجهود التنموية في هذا المجال.

إن نجاح هذه التظاهرة الزراعية يتطلب معالجة جملة من الإكراهات المرتبطة بضعف الدعم الفني، ونقص التمويلات الموجّهة لصغار المنتجين، والحاجة الماسّة إلى تأهيل البنية التحتية اللوجستية. كما أن تطوير سلاسل القيمة يتطلب شراكات متينة مع القطاع الخاص، وسياسات عمومية تحفيزية، واستثمارًا في التكوين والابتكار.

غير أن إشارات الواقع – كما تعكسها النسخ السابقة للمهرجان – تُظهر إرادة رسمية وشعبية متزايدة لتحويل القطاع الزراعي في مناطق الواحات إلى رافعة تنموية حقيقية، من خلال التدرج في تحسين الأداء، وتشجيع المنتجات المحلية، وفتح الأسواق أمام التمور الموريتانية.

إن مهرجان التمور الدولي في كيفه، في نسخته الرابعة، يُمثّل محطة ذات دلالة رمزية وتنموية في آنٍ معًا؛ إذ يبرز التمور بوصفها منتجًا استراتيجيًا، ويعيد الاعتبار للزراعة المحلية كقاطرة للتنمية المستدامة. وبين واقع متشابك بالتحديات، وآفاق رحبة بالفرص، يقف المهرجان شاهدًا على قدرة المجتمعات المحلية في الجنوب الموريتاني على النهوض، حين تتوافر الإرادة ويتكامل الفعل المؤسسي مع الطموح الشعبي.