ركوب الأمواج: بين الأجندات السياسية وحب التكسب/محمد ولد عمار

في ظل التغييرات السياسية والاجتماعية المتسارعة، يبرز الإعلام كلاعب جوهري في صناعة الوعي وتوجيه الرأي العام. غير أن هذا الدور، الذي يُفترض أن يُبنى على المهنية والاستقلالية، بدأ يعاني من اختلالات هيكلية، تجلت في ظاهرة متزايدة تُعرف إعلاميًا بـ"ركوب الأمواج"، حيث يُسارع بعض الفاعلين الإعلاميين إلى استغلال كل حدث طارئ أو قضية مثيرة، ليس من باب الإخبار أو التنوير، بل بهدف خدمة أجندات سياسية ضيقة أو تحقيق مكاسب مادية آنية.

لقد أصبح من المعتاد أن تتحول بعض المنصات الإعلامية، التقليدية منها والرقمية، إلى أدوات توجيهية تُدار وفق اعتبارات غير مهنية، تسعى إلى كسب النفوذ أو استرضاء جهات ذات نفوذ. في هذا السياق، لا يتم التعاطي مع الأحداث من منظور المصلحة الوطنية أو متطلبات الضمير المهني، بل من زاوية ما تتيحه تلك الأحداث من فرص لتسجيل النقاط أو إثارة الخلافات، سواء كانت سياسية أو مجتمعية.

وتتجلى الظاهرة أكثر في فترات التوتر السياسي، حيث يُوظَّف الإعلام في إعادة إنتاج الاصطفافات، وتصفية الحسابات، وتمرير الرسائل المُشفّرة أو الصريحة باسم "حرية التعبير".

اليوم، لا يخفى أن بعض وسائل الإعلام أصبحت تُدار في كواليسها بتحالفات غير معلنة مع أطراف سياسية، حكومية أو معارضة، بل وحتى مع رجال أعمال يسعون إلى حماية مصالحهم. في المقابل، يتم تهميش الأصوات المهنية الصادقة التي لا تركب الموج، ولا تجاري المزاج العام المصنوع.

هذا الوضع يُفقد الإعلام دوره الرقابي، ويحوله إلى طرف في الصراع بدلاً من أن يكون مرآة للحقيقة. والأسوأ من ذلك أن هذا السلوك لا يخلو من انتهازية، حيث يتم تحويل المهنة إلى وسيلة للارتزاق عبر "مناقصات إعلامية" غير معلنة، يُتاجر فيها بالمواقف والمبادئ.

تتمثل أخطر نتائج هذا الانحراف في النقاط التالية:

تآكل ثقة المواطن بالإعلام: إذ لم يعد الجمهور الموريتاني يميّز بسهولة بين الخبر والرأي، ولا بين الحقيقة والافتراء، نتيجة التضليل المتعمد أو التحريف الانتقائي للوقائع.

تعميق الشرخ الوطني: من خلال خطاب إعلامي يفتقر للموضوعية ويغذي الأحقاد، بدلاً من أن يُسهم في رأب الصدع الوطني وبناء الثقة بين مكونات المشهد.

تهديد مصداقية الحقل الصحفي: حيث أصبح الانتماء لوسيلة إعلامية في بعض الأحيان مرادفًا للولاء السياسي أو الارتباط بممول معين، لا لالتزام مهني أو وعي مجتمعي.

إذا ما استمر هذا المسار الانحداري، فإن مستقبل الإعلام  سيكون مرتهنًا لعدة سيناريوهات سلبية، من أبرزها:

انفجار إعلامي بلا ضوابط، تتحكم فيه منابر فردية لا مرجعية لها؛

فقدان الدور التنموي والإصلاحي للإعلام، ليحل محله التجييش والتحريض؛

ظهور طبقة من "صُنّاع الرأي" لا علاقة لها بالحقيقة أو المصداقية، بل تُصمم محتواها وفق طلب السوق أو أهواء الجهات النافذة.

إننا بحاجة ماسّة اليوم إلى خطاب إعلامي نزيه، عابر للاصطفافات، يتوخى الدقة والإنصاف، ويراعي متطلبات اللحظة الوطنية التي تتطلب التهدئة والبناء لا التأزيم والتسعير.

الإعلام ليس حلبة لتسجيل النقاط، ولا ساحة للارتزاق، بل هو سلطة مجتمعية واعية، متى ما انحرفت عن مهامها فقدت شرعيتها الأخلاقية قبل القانونية.
لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار للمهنية، وتطهير الحقل من الانتهازية، وإعلاء المصلحة الوطنية فوق كل موجة عابرة.