"ما عدنا نحن... فأين نحن؟!"/محمد ولد عمار

في لحظة من لحظات التيه الوجودي، حين تتقاطع الأسئلة مع خيبة الواقع، يُطرح السؤال العميق والمؤلم: ما عدنا نحن، فأين نحن؟ وهل ما زلنا نحن، أم أننا تخلينا عن أنفسنا، عن هويتنا، عن بعضنا البعض... في زمن صار فيه الوطن يئن من غيابنا عنه، رغم وجودنا فيه؟

لطالما كانت "نحن" في وجدان الموريتانيين عنوانًا لـ الضمير الحي، والإيثار الذي لا يُقايض، والكرم الذي لا يُفاخر، والمروءة التي لا تنتظر الشكر. كانت تعني الانتماء إلى مشروع جماعي يعلو فوق الفرد، تتجسد فيه قيم الجد والعمل، والصدق والثقة، والتضامن الذي يشد ظهر الوطن في مواجهة الأزمات. لم تكن "نحن" مجرد لفظ، بل روح تسكن البيوت، والساحات، والأسواق، والمساجد، وتُتَرجَم في المواقف، لا في الخُطب.

أما اليوم، وفي هذا الواقع الذي تتنازعه الولاءات الضيقة، والصراعات الفارغة، والانكفاء على الذات، نبدو كأننا فقدنا البوصلة. الوطن يضيع حين تغيب "نحن" وتسيطر "أنا"، وحين يصبح الانتماء سلعة، وتُقاس الوطنية بمكاسب فردية لا بمواقف جامعة. في مشهدٍ باتت القبلية والجهوية والأنانية تطغى على مشهد المشاركة والمسؤولية، نحتاج إلى وقفة وجودية نسأل فيها: هل نحن على الطريق؟ أم أننا على هامش تاريخ كنا نحن من صنعه؟

الواقع اليوم ليس فقط واقع أزمة اقتصادية أو بطالة أو فساد... بل هو أزمة قيم أولاً، وأزمة مشروع مشترك ثانياً. لقد اختفت ملامح "نحن" من مشهدنا السياسي، والاجتماعي، والتربوي، حتى غدت الثقة عملة نادرة، والتعاون استثناء، والحوار ترفًا.

لكن رغم هذا التيه، يبقى الوطن ينادينا... لا بل يصرخ في وجهنا جميعًا:

> أين أنتم؟
أين الضمير؟ أين الإيثار؟ أين التضامن الذي بنيتُ عليه؟
أين تلك "النحن" التي كانت تنسج خيمتي من أمل، وتحرس سهولي من فرقة، وتصون ودياني من النسيان؟

 

نحن بحاجة إلى ثورة قيم، لا تبدأ بالشعارات، بل بـ الفعل الصادق في البيت، في الحي، في المدرسة، في الإدارة، في البرلمان. نحتاج إلى إحياء الضمير، لا بإلقاء اللوم على الآخرين، بل بالبدء من الذات. نحتاج إلى أن يكون للوطن فينا مكان، لا فقط في الخطاب، بل في القرار والموقف والاختيار.

"نحن"  يجب أن تُبعث من جديد، من رماد الخيبة، من صمت الضمير، من جراح التشتت.
فـالوطن لا يُبنى بالأماني، بل بالجد والعمل والإيثار والثقة.
والوطن لا يحيا إلا إذا كنا "نحن"... لا مجرد أفراد متفرقين، بل جماعة تنظر إلى الغد بعين واحدة، وقلب واحد، وضمير مشترك.

فلنعد.
لأن الوطن لا يحتمل مزيدًا من الغياب.
ولأننا إن لم نعد "نحن"، فلن يبقى هناك ما نعود إليه.