في زمن تتداخل فيه الأصوات، وتضيع فيه البوصلة، يحتاج المجتمع ـ كما كل أمة تسعى للبقاء بكرامة ـ إلى ميزان… لا يختل، وإلى قواعد… لا تُكسر، وإلى أخلاق… لا تتبدل، وإلى صالح عام… لا يُؤجَّل لصالح مصالح ضيقة.
إن المجتمعات لا تقوم على العشوائية، بل على نُظم تضبط الإيقاع، وقوانين تحكم التفاعل، وأخلاق تسند البناء. تلك هي الموازين التي تُوزن بها الأفعال، وتُقوَّم بها النفوس، ويُبنى بها المستقبل. حين تختل هذه الموازين، يصبح كل شيء مباحًا، ويتحول الوطن إلى ساحة غنيمة، لا إلى دار بناء وعدل.
ليست القواعد في المجتمع حبلاً يشدّ، بل سلمًا نرتقي به. هي التي تحفظ الحقوق وتضبط الواجبات، وتُبقي السفينة سائرة في خطها الآمن. حين تُحترم القوانين، يشعر الفقير بالأمان، ويطمئن الغني على ماله، ويأمن العامل على كسبه. أما حين تُعطَّل القوانين، فإن صوت الأقوى هو من يُسمع، ويُصبح العدل ضيفًا عابرًا، يزور حين يُسمح له.
الأخلاق ليست شعارًا للمنابر، بل هي عصب المجتمع الحي. هي تلك القوة التي تمنعك من خيانة أمانة، أو خرق طابور، أو ظلم قريب أو غريب. الأخلاق لا تحتاج إلى نصّ قانون، لأنها قانون القلب والضمير. وإذا أردنا أن ننهض من دوامة الفوضى، فعلينا أن نعيد للأخلاق مكانتها، في البيت، في المدرسة، في السوق، وفي كل زاوية من زوايا الوطن.
في دولة ، ما زالت تبني طريقها نحو التنمية، لا بد أن يكون الصالح العام أولوية مقدّسة، لا مجرد شعار يُرفع في المناسبات. المستشفيات، التعليم، الأمن، العدالة، الماء، الكهرباء، الطرق… كلها مسؤوليات مشتركة. والتفريط فيها خيانة للغد. حين يُقدم كل مواطن مصلحة الوطن على مصالحه الضيقة، يصبح كل شيء ممكنًا: الإصلاح، والازدهار، والنهوض.
ما جدوى الحديث عن القيم إذا كانت القدوة غائبة؟ حين يرى الشاب مسؤولًا لا يسرق، ومعلمًا لا يبتز، وشرطيًا لا يظلم، وسياسيًا لا يكذب، يصبح الطريق إلى الصلاح أقصر، ويغدو الحلم قريبًا. القدوة ليست مجرد منصب، بل مسؤولية، وثقل، وإلهام. إنها المرآة التي ينعكس فيها وجه الوطن، نقيًا كما ينبغي.
فيا أهل هذا الوطن الكريم، لنُعد للموازين هيبتها، وللقواعد قوتها، وللأخلاق سيادتها، وللصالح العام قداسته، ولنمنح القدوة مكانها الحقيقي. فالمجتمع لا يُبنى بالحماسة وحدها، بل بالعدل والانضباط، وبالضمير الحي الذي يعرف أن الأوطان لا تقوم على الشعارات، بل على رجال ونساء يزنون كل خطوة بميزان القيم.
ولعلها دعوة لكل قلب حيّ: كن الميزان، كن القاعدة، كن الأخلاق، وكن القدوة… فبك تبدأ الحكاية.