في لحظة صمت عميقة، حين ينظر الواحد منا إلى المجتمع من حوله، لا يسعه إلا أن يتساءل: إلى أين نسير؟
لقد تغيّرت الأرض… وتغيّرت السماء…
تغيّرت الوجوه التي كانت تبتسم صفاءً،
وتبدّلت الكلمات التي كانت تُقال طُهرًا،
وصار القلب يضيق بما يرى ويسمع، حتى كأن الصدور لم تعد تتسع للأنين.
اليوم، نعيش ما هو أعمق من الأزمات السياسية والاقتصادية،
إننا نعيش أزمة قيم… أزمة أخلاق، أزمة ضمير.
لقد كانت مجتمعاتنا تُضرب بها الأمثال في الوفاء والإيثار، في الحياء والحكمة، في الشهامة والنخوة.
أما اليوم، فكم من جار لا يعرف جاره؟
وكم من قلب لا يطرق بابه الحياء؟
وكم من كلمة لا يزنها المتكلم بميزان الأخلاق، بل بميزان المصلحة والمكسب والهوى وترند جلب المشاهدات و الشهرة؟ اي زيف يطبخ على نار هادئه
التبدل ليس في الأشياء فقط، بل في النفوس.
كبرت الأنانية… وقلّ الإيثار.
كثُر الكلام… وقلّ العمل.
ارتفعت القصور… وانهارت المبادئ.
صار الباطل يُزيَّن، والحق يُسخر منه.
وصار من يتمسك بقيمه غريبًا في أرضه، كأنه من زمنٍ آخر.
أين ذهبت التربية التي كانت تزرع في الطفل احترام الكبير، وتقدير العلم، والخوف من ظلم الناس؟
أين الدروس التي كانت تبدأ بالبسملة وتنتهي بالدعاء؟
أين البيوت التي كانت مدارس للقيم قبل أن تكون مأوى؟
أين الأمهات اللواتي كنَّ يغرسن في الصغار معاني الحياء والصدق؟
أين الآباء الذين كانوا قدوة في المروءة، ورموزًا في الكدّ والعطاء؟
إنها دعوة صادقة… بل صرخة مُوجعة.
إن لم ننتبه الآن،
إن لم نستفق من غفلتنا،
فإن القادم سيكون أشد، والمآل سيكون أقسى.
المجتمع لا تُصلحه الشعارات،
ولا تُنقذه الأبنية الشاهقة،
ولا تُنجيه كثرة الخُطب.
المجتمع لا يُبنى إلا على الضمير الحي،
على قيم الصدق، والأمانة، والعدل، والتكافل، والخوف من الله.
أيها الآباء والأمهات،
ربّوا أبناءكم على المبادئ لا على المظاهر،
وعلّموهم أن الناس تُقاس بما في القلوب لا بما في الجيوب،
وأن الكرامة لا تُشترى، وأن النزاهة ليست ضعفًا، بل قوة لا يمتلكها إلا النبلاء.
أيها المسؤولون،
كونوا قدوة قبل أن تكونوا أصحاب قرار،
وازرعوا في مناصبكم التقوى لا التكبر،
واعلموا أن السلطة زائلة، وأن التاريخ لا يرحم.
أيها الشباب،
لا تجعلوا الشهرة هدفًا، ولا المال معيارًا،
بل اجعلوا للعلم قداسة، وللوطن قيمة، وللأخلاق سُموًّا.
أيها المثقفون،
دوركم ليس في الصمت،
بل في إيقاظ الضمائر،
والحديث باسم القيم،
وتصحيح المسار قبل أن نتوه جميعًا.
نعم… ما زال فينا خير كثير،
وما زال فينا رجال ونساء يحملون شعلة النقاء،
لكن الواجب اليوم هو أن نصنع من هذا الخير تيارًا يجرف الزيف،
وأن نُعيد للمجتمع بوصلته الأخلاقية قبل أن تضيع إلى الأبد.
إنّ إصلاح المجتمع لا يبدأ من أعلى، بل من داخل كل بيت،
من كل ضمير يصحو،
ومن كل قلب يرجع،
ومن كل إنسان يختار أن يكون لبنة في بناء الخير، لا معولًا في هدم القيم.
لنعُد إلى ذواتنا… فربما لا تزال هناك فرصة.
قبل أن لا يبقى من الوطن إلا أطلاله،
ومن الأخلاق إلا ذكراها،
ومن القيم إلا الحنين.