بيرام بين بيجل والشيخ ولد بايه: تحالف في الظل ام مناورة على المكشوف/ محمد ولد عمار

في المشهد السياسي الموريتاني، لا تمر اللقاءات دون دلالة، خاصة حين تجمع شخصيات بحجم الجدل والتأثير مثل بيرام الداه اعبيد، وبيجل ولد هميد، والشيخ ولد بايه. لقاءات قد تبدو عابرة للبعض، لكنها تحمل في عمقها مؤشرات لتحولات أضخم، وربما تفاهمات تُطبخ على نار هادئة، تمهيدًا لإعادة رسم ملامح اللعبة السياسية في البلاد.


لقاء بيرام مع بيجل ولد هميد، أحد أقدم السياسيين الموريتانيين وأكثرهم خبرة، لا يمكن فصله عن الرغبة الواضحة في فتح قنوات مع "الوسط السياسي التقليدي". فبيجل، الذي ظل حاضرًا في أغلب التحولات السياسية خلال العقود الماضية، يُعد بوابة لفهم مزاج جزء مهم من النخبة التقليدية. من هنا، يُطرح السؤال:
هل يسعى بيرام – وهو رمز المعارضة الراديكالية – إلى بناء تحالفات جديدة تُخفف من حدّته السابقة؟
أم أن بيجل نفسه يتحرك في اتجاه لعب دور الوسيط أو "العقل السياسي" الذي يقرأ المتغيرات ويوجهها؟


أما اللقاء مع الشيخ ولد بايه، رئيس البرلمان الموريتاني السابق، فهو أكثر تعقيدًا من حيث الرمزية والدلالة. فالرجل كان واحدًا من أبرز وجوه السلطة في عهد الرئيس السابق، ويُنظر إليه كفاعل وازن في هندسة التحالفات، رغم تراجعه الظاهري عن واجهة الأحداث.

لقاء بيرام به يحمل رسالة مزدوجة:
من جهة، هو محاولة لتأكيد أن الرجل لم يعد خصمًا دائمًا للنظام، بل مستعد للحوار مع من كانوا في قلب السلطة في سياسة اليد المفتوحة.
ومن جهة ثانية، يبدو كأنه إشارة إلى استعداده لتجاوز الصور النمطية التي رسمها خصومه عنه، وخاصة ما يتعلق بتوتر علاقته مع رموز النظام أو مع الشخصيات المحسوبة عليه.


كل هذا يكشف عن تحول تدريجي في خطاب ومواقف بيرام الداه اعبيد. فبعد سنوات من المواجهة، يبدو أنه يتجه نحو خيار "التموقع": موقع أكثر براغماتية، يتيح له التحرك بين دوائر النفوذ التقليدية من جهة، وبين قاعدته الشعبية المعارضة من جهة أخرى.

هذا التوازن ليس سهلاً، لكنه ضروري إذا كان الرجل يطمح لدور أكبر في المستقبل، وربما إلى موقع قيادي في الاستحقاقات القادمة، خاصة الرئاسيات المرتقبة في 2029.

السؤال الذي يطرح نفسه؛
هل هي بداية لتحالف جديد يتشكل في الخفاء؟
أم أن بيرام يُمهّد لانقلاب هادئ في صورته السياسية والفكرية؟
وهل هذه اللقاءات هي مقدمة لاصطفافات جديدة ستكشف عنها الأيام القادمة؟

من الأرجح أن الساحة السياسية تشهد ديناميكية صامتة، وأن لقاءات من هذا النوع ليست معزولة ولا ارتجالية، بل جزء من خريطة يتم رسمها بعناية خلف الستار، في انتظار اللحظة المناسبة للكشف عن تفاصيلها.


لقاءات بيرام مع بيجل ولد هميد والشيخ ولد بايه ليست مجرد صور عابرة، بل تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز المجاملة. هي إشارات إلى تحوّل هادئ في سلوك الرجل، وتأكيد على أن السياسة في موريتانيا لا تُخاض فقط من فوق المنابر، بل تُصنع أيضًا في الغرف المغلقة، وعلى مائدة الحوار مع الخصوم قبل الحلفاء.

إنها لعبة توازن دقيق،  بخطى محسوبة، في مشهد يتغيّر بصمت، ولكن بثبات.