أزمة نحو الفجر/ محمد ولد عمار

منذ إعلان الجمهورية الإسلامية الموريتانية قبل أكثر من ستة عقود، ما زالت البلاد تواجه تحديات متجددة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ورغم الانتقالات السياسية المختلفة، من أنظمة عسكرية إلى تجارب ديمقراطية، فإن جوهر الأزمة ظل قائماً، حيث تتجاوز المعضلات الأشخاص والسياسات الظرفية لتكشف عن خلل بنيوي .


في المجال السياسي، تتميز التجربة السياسية الموريتانية بعدم استقرار مسار انتقال السلطة. فالانقلابات العسكرية كانت لعقود الوسيلة الأبرز لتغيير الحكم، فيما بقيت الممارسة الديمقراطية محكومة بضعف الثقة الشعبية. هذه الإشكالية البنيوية انعكست في هشاشة الشرعية السياسية وفتور العلاقة بين الدولة والمجتمع، مما يجعل أي انتقال للسلطة حساساً ومؤثراً على استقرار البلاد.


في المجال الإقتصادي ، يعتمد الاقتصاد الموريتاني بشكل كبير على الثروات الطبيعية مثل الحديد والذهب والصيد البحري، ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسواق العالمية. ومع ضعف البنية الإنتاجية وغياب العدالة في توزيع الثروة، يجد المواطن نفسه أمام واقع اقتصادي لا يلبي تطلعاته، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة وضعف الخدمات الأساسية.


في المجال الإجتماعي ، موريتانيا بلد غني بتنوعه الثقافي والعرقي، لكن هذا التنوع لم يتحول بعد إلى عنصر قوة موحِّد. غياب سياسات اندماج وطنية فعّالة أبقى النقاشات حول الهوية والانتماء حاضرة، وهو ما يعمق شعور بعض المكونات بالتهميش ويضعف قدرة الدولة على تعزيز الوحدة الوطنية.


في المجال  المؤسسي و رغم وجود قوانين وتشريعات متقدمة على الورق، فإن تطبيقها محدود بفعل البيروقراطية والفساد وضعف الرقابة. هذا الخلل البنيوي جعل مؤسسات الدولة غير قادرة على تلبية احتياجات الكاملة للمواطنين في التعليم والصحة والبنية التحتية، وهو ما يفسر تراجع الثقة الشعبية في قدرتها على الإصلاح والتغيير.

 

في الجانب الإقليمي ، موقع موريتانيا الجغرافي على تخوم منطقة الساحل الإفريقي يضعها في مواجهة مباشرة مع ملفات معقدة مثل الإرهاب والهجرة غير النظامية وصراعات النفوذ الدولي. غير أن السياسة الخارجية لم تتبلور بعد في رؤية استراتيجية ثابتة، ما يجعل البلاد أحياناً أسيرة الاصطفافات الإقليمية أكثر من كونها فاعلاً مستقلاً.


الأزمة  ليست مرتبطة بأشخاص أو أحداث عابرة، بل هي أزمة بنيوية متجذرة.
إن هذه التحديات ليست مستعصية، فالإصلاح ممكن من خلال:

ترسيخ الديمقراطية والممارسة السياسية الناضجة.

إعادة هيكلة الاقتصاد نحو إنتاجية واستدامة أكبر.

صياغة عقد اجتماعي جامع يعزز الوحدة الوطنية.

بناء مؤسسات قوية وفعالة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية.


مع هذه الإصلاحات، يمكن أن تتحول الأزمة البنيوية إلى فرصة للنهوض، ليصبح الفجر القادم رمزاً لتجدد الدولة وقدرتها على الوفاء بتطلعات شعبها.