فخ الساحل

في قلب الساحل الأفريقي، تتلبّد الأجواء بالتهديد والخطر، حيث تصطف جبهة ماسينا العسكرية على أطراف مدينة نيور، كأنها شبح يراقب كل حركة، محكمة حصارها على السكان وكأنهم رهائن في مسرحية مروّعة لا مهرب منها. الحصار لم يكن مجرد إغلاق طرق، بل خنق للحياة اليومية وقلب للأمن والاستقرار رأسًا على عقب. الأطفال يسيرون على أرصفة خاوية، والباعة يغلقون محالهم، والخوف يعلو أصوات السكان وهم يترقبون أي حركة غير مألوفة. الطرق المؤدية إلى المدينة أصبحت خطوطًا حمراء مرعبة، أي خروج يعني مواجهة مجهولة، وأي تعاون مع الدولة قد يساوي دفع ثمن باهظ. الجماعة المسلحة، بتكتيكها الجديد، لم تعد تعتمد على الهجمات المفاجئة فقط، بل تحول الحصار إلى سلاح نفسي وواقعي يضع السكان تحت تهديد مزدوج: الخوف من الجماعة والخوف من الحرمان والفقر.

الحصار يمثل مرحلة جديدة من الحرب  في الساحل، حيث تستخدم الجماعات المسلحة السيطرة على مفاصل المدينة بما فيها خطوط الإمداد كأداة ضغط استراتيجية تقلل قدرة الدولة على التدخل الفوري وتمنحها قدرة على فرض إرادتها. السكان والجيش يُرغمون على التفاعل مع سيناريوهات الخطر المستمر، ما يضع القوات الحكومية في حالة إرهاق دائم ويستنزف الموارد الأمنية. المواقع الاستراتيجية مثل نيور تشكل نقاط عبور رئيسية بين مالي وموريتانيا والسنغال، وسيطرة الجماعة أو تعطيل هذه المدن قد يؤدي إلى انتشار عدم الاستقرار عبر الحدود وزيادة نشاط الشبكات العابرة للحدود. استخدام الحصار بدل الهجمات الفردية يظهر نضجًا تخطيطيًا وتنظيميًا لدى الجماعات المسلحة ويجعلها أكثر قدرة على فرض إرادتها على الأرض.

الحكومة المالية، رغم بياناتها السابقة عن تصفية عشرات المسلحين، تواجه اليوم اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على فرض القانون وحماية المدنيين. الحصار هنا ليس مجرد تهديد محدود، بل فخ استراتيجي كامل يختبر صلابة الدولة ويكشف هشاشة الاستقرار في الساحل. إنها لحظة حرجة، حيث ينبض قلب الساحل بالخطر، وتختلط رائحة الخوف بالهواء، ويقف السكان على حافة معركة حياتهم اليومية، بين البقاء تحت الحصار أو المخاطرة بالمواجهة.

المستقبل يظل غامضًا، مع احتمال تمدد هذا النوع من الحصار إلى مناطق أخرى، مما قد يزيد من هشاشة المدن الحدودية ويهدد استقرار الساحل بأكمله. السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في تحول هذه الجماعات إلى قوة ضاغطة دائمة، تستطيع فرض إرادتها على المدن، وتحويل الحصار إلى أداة ضغط على الدولة والمجتمع الدولي. في الوقت نفسه، يبقى الخيار أمام السلطات والجهات الإقليمية والدولية هو التدخل الاستباقي والاستجابة الاستراتيجية الذكية قبل أن يتحول هذا الفخ إلى أزمة إنسانية وأمنية أكبر، تهدد الأمن المحلي والإقليمي على حد سواء.