عكس الاتجاه/ محمد ولد عمار

الحديث عن الاتجاه الخاطئ لا يتعلق بالمسافة المقطوعة بقدر ما يرتبط بالوجهة ذاتها. فالمشكلة ليست في السير أو في بذل الجهد، بل في البوصلة التي تحدد المسار. إذ إن أي خطوة في اتجاه غير صحيح، مهما كانت صغيرة، تتراكم مع الزمن لتجعل العودة أصعب، وتصحيح المسار أكثر كلفة.

في تجارب الأفراد كما في مسارات الدول، يتضح أن السير في الاتجاه الخاطئ لا يحدث فجأة، بل يتشكل عبر سلسلة من القرارات الجزئية، غالبًا ما تُبرر بظروف آنية أو حسابات قصيرة المدى. ومع مرور الوقت، يصبح التراجع أكثر صعوبة بسبب تراكم الالتزامات وتشابك المصالح، وهو ما يفسر إصرار بعض الأنظمة أو المجتمعات على مواصلة مسار خاطئ رغم إدراكها لنتائجه.

أخطر ما في الاتجاه الخاطئ أنه يخلق وهمًا بالاستقرار، ويمنح شعورًا زائفًا بأن الأمور تحت السيطرة. غير أن الواقع يثبت دائمًا أن السير في مسار غير صحيح يقود في النهاية إلى نقطة ارتطام، حيث تنكشف التناقضات وتتعاظم الأزمات.

تصحيح المسار يحتاج إلى وعي جماعي وشجاعة في الاعتراف بالأخطاء. فالتاريخ مليء بالأمم التي استعادت توازنها حين اختارت المراجعة، وتخلت عن عنادها، وقررت أن مواجهة الحقيقة أولى من الهروب منها. العودة إلى الطريق الصحيح قد تكون صعبة، لكنها تظل أقل تكلفة من المضي في طريق خاطئ يقود إلى الضياع.

إن إدراك الاتجاه الصحيح، والمراجعة الدائمة للخيارات، والقدرة على التكيف مع التحولات، هي مقومات لا غنى عنها لأي مجتمع يريد أن يصنع مستقبله بعيدًا عن الأزمات والانكسارات.