بين حصار جماعة ماسينا لمدينة إنيورو في وسط مالي وضغط الجبهة الأزوادية على باماكو من الشمال تتشكل معادلة أمنية معقدة تضع الدولة المالية أمام امتحان وجودي. ففي الوقت الذي تعمد فيه ماسينا إلى تطويق مدينة متوسطة الأهمية كإنيورو لإظهار هشاشة الدولة وعجزها عن حماية مراكزها، تسعى الجبهة الأزوادية إلى إعادة فرض نفسها لاعبًا رئيسيًا من خلال هجمات متقطعة وضغط سياسي يعيد طرح مطلب الحكم الذاتي في الشمال. هذا التزامن لا يعكس بالضرورة تحالفًا معلنًا، لكنه يخلق تقاطع مصالح ميدانية يضع باماكو في كماشة يصعب فكها.
المعادلة لم تعد داخلية بحتة، بل أصبحت محكومة بميزان قوى دولي متحرك. فمع انسحاب فرنسا وتراجع حضورها العسكري، تمددت روسيا عبر مجموعات عسكرية توفر التدريب والتسليح والحماية للسلطات الانتقالية في باماكو، وهو ما منحها قدرة إضافية على الصمود في بعض الجبهات لكنه أثار توترات داخلية بسبب الاتهامات بارتكاب انتهاكات واحتكار موارد. في الوقت ذاته برزت تركيا كمزود للطائرات المسيّرة التي غيرت طبيعة الاشتباكات ومنحت الجيش المالي أداة فعالة للاستهداف السريع، في حين عززت الصين حضورها عبر مشاريع البنية التحتية والاتصالات والاستثمارات، ما وفر لها نفوذًا ناعمًا وأوراق ضغط سياسية دون انخراط عسكري مباشر. أما الولايات المتحدة فبقي دورها محدودًا، يقتصر على دعم استخباراتي وتقني متقطع وضغوط دبلوماسية، في وقت تحاول فيه إعادة رسم استراتيجيتها الإفريقية بعيدًا عن الانخراط الميداني.
هذه التفاعلات الدولية تضيف بعدًا معقدًا إلى الأزمة. فبينما تمنح بعض القوى للنظام الحاكم أدوات عسكرية ولوجستية، يظل أصل المشكلة في غياب الشرعية وضعف الدولة وانعدام الثقة بين المواطن والسلطة. قدرات الطائرات المسيّرة أو الخبراء العسكريين قد تغيّر تفاصيل المعركة لكنها لا تحسم الحرب على المدى الطويل، إذ يظل النزاع مؤطرًا بانقسامات إثنية وسياسية عميقة تستغلها الجماعات المسلحة بحرب استنزافية لإرباك الحكام في باماكو و لتوسيع نفوذها.
حصار إنيورو والضغط على باماكو يعكسان في جوهرهما فشل الدولة في بسط سلطتها على كامل ترابها، كما يعكسان تنافس القوى الدولية على موطئ قدم في قلب الساحل الإفريقي. الخطر الأكبر أن يتحول هذا التوازي بين الداخل والخارج إلى دائرة مفرغة تعيد إنتاج الفوضى وتدفع المنطقة كلها نحو عدم استقرار مزمن. وفي ظل هذه الكماشة، يظل مستقبل مالي معلقًا بين قدرة السلطة الانتقالية على بناء شراكات متوازنة تعيد للدولة هيبتها، أو انزلاق البلاد إلى سيناريو انفجار شامل يفتح الباب أمام انهيار أوسع يتجاوز حدودها.