تحت المياه الراكدة / محمد ولد عمار

المشهد السياسي في موريتانيا يبدو وكأنه يسير في مكانه، أشبه بمياه راكدة تخفي تحت سطحها تيارات متناقضة. الحوار السياسي الذي طال انتظاره ما يزال يراوح مكانه، فلا هو انطلق بخطى واثقة نحو توافق وطني، ولا هو انتهى إلى القطيعة، وإنما ظل معلقًا في منطقة رمادية بين الأمل والتوجس.

الأغلبية الحاكمة تبدو متماسكة في الشكل، لكنها تواجه في العمق تحديات داخلية تتعلق بمدى قدرتها على توحيد خطابها السياسي في مواجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية المتنامية. فهي تدعم المسار القائم، لكنها تدرك أن استمرار الركود قد يفقدها زمام المبادرة، ويترك الساحة مفتوحة لتصاعد أصوات ناقدة.

أما المعارضة، فقد اختارت أن تراجع تكتيكاتها، فبدت وكأنها تتقمص دور "الأغلبية الاحتياطية"، ترسل إشارات مزدوجة؛ تارة تعلن الاستعداد للمشاركة في أي حوار جاد يفضي إلى إصلاح سياسي، وتارة أخرى تغازل الشارع بلغة نقدية حادة ضد الواقع المعيشي وضد بطء الإصلاحات. هذه الازدواجية ليست ضعفًا بقدر ما هي محاولة للبقاء في قلب المعادلة، بحيث لا تُقصى عن التوافق إن وقع، ولا تُتهم بالهروب إن تعثر.

وسط هذا التوازن الهش، يبقى المواطن البسيط هو الحلقة الأضعف، يتابع المشهد السياسي كما يتابع مياهًا راكدة يخشى أن تتحول إلى فيضان مفاجئ. فالتحديات الاقتصادية، وملف العدالة الاجتماعية، ومشاكل التعليم والصحة، كلها أسئلة مؤجلة لم تجد أجوبة مقنعة بعد.

إن الوضعية الراهنة في موريتانيا تحتاج إلى جرأة في اتخاذ القرار أكثر مما تحتاج إلى تبادل المواقع الكلامية. فالحوار لا قيمة له إذا ظل في دائرة المراوحة، والأغلبية لن تربح الكثير إذا بقيت حبيسة الخطاب المطمئن دون إجراءات ملموسة، والمعارضة لن تكسب ثقة الشارع إذا ظلت تتأرجح بين النقد والمشاركة الرمزية.

المطلوب إذن هو خروج من تحت المياه الراكدة إلى سطح الشفافية والتوافق العملي، لأن التغيير الحقيقي لا يصنعه الاصطفاف الصوري، بل الحوار الصريح الذي يضع المصلحة الوطنية فوق حسابات التوازنات الظرفية.