إلى أين وصلنا؟/ محمد ولد عمار

شبّاننا… من يقلّدون؟
إلى من يستمعون؟
وفي من يثقون؟
أسئلة موجعة تتردّد في فضائنا العام، فلا تجد جوابًا سوى صدى الحيرة والخذلان. لقد اختلط الحابل بالنابل، وغدت ملامح المجتمع على شفا هاوية، كأننا نسير بأقدام متعبة نحو حافة الانهيار.

سياسيًا، صارت الساحة أقرب إلى مسرح للوعود المنهكة. تناوبت الكلمات حتى فقدت بريقها، وتحوّل الخطاب إلى صراع مصالح ضيق، لا يزرع في النفوس سوى الشك. الشاب الذي كان يترقّب بارقة أمل لم يعد يرى في السياسة إلا صخبًا عابرًا، يتساءل بينه وبين نفسه: أيُعقل أن أضع ثقتي فيمن يتقن لغة الانقسام أكثر من لغة البناء؟

ثقافيًا، تهتز الهوية في مهبّ الريح. شبابنا يلهث خلف صور غريبة عنه، يقلّد بلا بصيرة، كأنما يبحث عن ذاته خارج ذاته. ضاعت اللغة في زحمة اللهجات المستوردة، وانكمش الفن الأصيل أمام موجات استهلاك سريعة لا تحمل إلا خواءً داخليًا. بات المشهد أشبه بمرآة مشروخة، تعكس وجوهًا كثيرة ولا تكشف وجهنا الحقيقي.

اجتماعيًا، تباعدت القلوب. الأسرة التي كانت حبل نجاة صارت أحيانًا صامتة أمام أسئلة أبنائها. المدرسة فقدت دورها كمصنع للمعنى،  فإلى من يلجأ الشاب إذن؟ أيُصغي للشارع المزدحم بالضجيج، أم لشبكات افتراضية تصنع له واقعًا مزيفًا؟

اقتصاديًا، يغلي الوجع في الصدور. بطالة تذبح الطموحات، غلاء ينهش قوت اليوم، وتفاوت طبقي يحوّل العيش إلى معركة يومية. شبابنا، وهم زاد الغد، يتيهون بين صفوف البطالة، يحلمون بالهجرة كأنها خلاص، أو ينزلقون إلى مسارات مظلمة تلتهم أعمارهم.

إلى أين وصلنا؟ وصلنا إلى زمن صار فيه التقليد بديلاً عن الإبداع، والخيبة بديلاً عن الأمل، والانتظار بديلاً عن الفعل. ومع ذلك، يبقى في الأفق خيط نور خافت، يذكّرنا أن الانهيار ليس قدرًا محتومًا، بل احتمال يمكن دفعه إذا استيقظ الضمير الجمعي، وتكاتفت الإرادات على كلمة سواء: أن الوطن أكبر من نزاعات الأفراد وأغلى من مصالح اللحظة.

لقد بلغنا حافة الخطر، لكننا لم نسقط بعد. والخيار لا يزال بأيدينا: إما أن ننهض بوعي جماعي يشدّنا إلى ضفاف النجاة، أو نترك أنفسنا لأمواج التيه تبتلعنا.