انين الرماد / محمد ولد عمار

في هذا الركن المبحر في الصحراء، حيث تمتزج الرمال بالزمن، ويتناثر الصدى في فراغٍ طويل، يعلو أنينٌ خافت… كأنه صوت وطنٍ يحاول أن يتذكّر نفسه.
الريح تمرّ على الوجوه، والغبار يغطي الملامح، فلا نرى سوى ظلالٍ تبحث عن معنى، ولا نجد سوى رمادٍ يئنّ في صمتٍ عميق.

لم يعد في البلاد يمينٌ ولا يسار، ولا وسطٌ يطمئن إليه القلب.
اختلطت الخطوط، واندمجت الألوان، وصارت السياسة مسرحًا بلا نصّ، يتقاسم فيه الجميع دور البطولة الزائفة.
المناصب تُمنح بالولاء، لا بالكفاءة.
الأصوات ترتفع من أجل الضجيج، لا من أجل التغيير.
والانتماء للوطن أصبح مجرّد شعارٍ يتلوه كلٌّ على طريقته.

لكن ما يحدث ليس وليد اليوم، ولا ابن اللحظة.
هو تراكم سنينٍ من التيه والتأجيل، من أنظمةٍ بدّدت الفرص، وحكوماتٍ عاشت على المسكنات، و نخب تترنح ،ومجتمعاتٍ صبرت أكثر مما ينبغي.
هو حصاد زمنٍ طويلٍ من التسويات الهشّة، والمجاملات التي فضّلت السكون على المواجهة، حتى استيقظنا على رمادٍ يغطي كلّ شيء.

في الاقتصاد، تجلّت الحكاية بوجهٍ آخر:
ثرواتٌ تُهدر، وطاقاتٌ تُهمّش، ومشاريع تولد في الورق وتُدفن قبل أن تتنفس.
لكن خلف هذا الركام، لا يزال في الأرض ما يستحق الحياة؛
ففي عروق الشباب طاقةٌ تنتظر أن تُستدعى، وفي عقول المبدعين بذور نهضةٍ تختبئ من عواصف الإحباط.

في المجتمع، رغم تصدّع المرايا، ما زال بين الشقوق ضوء.
رغم ما زرعته الأنظمة من فرقةٍ وجهوية، لم تنطفئ تمامًا جذوة الأخوة، ولا اختفى الإحساس بأننا، مهما افترقنا، أبناء نفس الرمل والمطر.
تحت الرماد المتراكم، هناك دفءٌ خفيّ، لمسةُ وطنٍ تتذكّر أبناءها حين يعجزون عن تذكّره.

أما الثقافة، وإن غابت عنها الأضواء، فما زال فيها من يكتب بصمتٍ كي لا يموت المعنى، وما زال في الكلمة سلاحٌ يُقاوم النسيان.
الشعراء ما زالوا يحرسون الذاكرة، والمثقفون الحقيقيون ما زالوا يهمسون للوطن في عتمته: "انهض، فما زال في القلب متّسع للحلم."

أنين الرماد… ليس نحيبَ الهزيمة، بل وجعُ الولادة.
فمن الرماد يولد الجمر، ومن الخيبة تُصاغ البداية.

ربما طال الليل، لكن الفجر — وإن تأخر — لا ينسى طريقه إلى الصحراء.
وربما استحال الأمل رمادًا، لكنه ما زال يئنّ، لأن في الأنين حياةً تتشبث بالعودة، وحلمًا يرفض أن يموت في صمت.