منذ عقود، كانت الصحراء الغربية شمعة تتأرجح بين الريح والنار، بؤرة نزاع ممتدّ يلوّح بظلاله على شمال إفريقيا، ويهدّد شبه المنطقة بأكملها. لكن المغرب، بوعي جغرافي واستراتيجي، اختار أن يحوّل الرمال المتقدة إلى درعٍ للاستقرار، وأن يجعل من النزاع القديم آلية لإيقاف شرر الصراعات قبل أن تنتشر في الساحل الإفريقي.
لقد فهمت المملكة أن الجغرافيا ليست مجرد حدود على الخريطة، بل نبض الأرض ورافعة السياسة. فالربط بين الصحراء ومشاريع تنموية وموانئ ومناطق صناعية ليس ترفًا اقتصاديًا، بل حاجز يصد الفوضى، وجسر يربط بين شعوب الساحل وآفاق الأمل. كل طريق جديد، وكل ميناء ينبض بالحياة، يضعف جذور النزاع ويغلق أبواب التطرف والتهريب، ليصبح الأمن والتنمية وجهين لعملة واحدة.
وعلى صعيد الدبلوماسية، لعب المغرب دور الساعي الهادئ في ليالي السياسة الدولية، حاملاً مقترح الحكم الذاتي كرسالة سلام وإدارة واقعية للصراع. فتح المجال أمام الحوار الدولي، وحصد دعم القوى الكبرى والدول الإفريقية، ليس بالضغط أو الصدام، بل بالذكاء السياسي الذي يجعل الحل إطارًا معترفًا به دوليًا، وقوةً تصدّ الفوضى قبل أن تمتد نيرانها.
ولم ينس المغرب البعد الأمني؛ فالصحراء لم تعد مساحة مفتوحة للتهريب أو التطرف، بل خط دفاع متقدٍّ، درع يمتد إلى قلب الساحل الإفريقي. فكل جهد أمني، وكل تنسيق مع دول المنطقة، يشتّت شر النار قبل أن تندلع، ويضع المملكة في موقع الريادة كحامية للسلم والاستقرار الإقليمي.
إن الربط بين الحكم الذاتي والتنمية والتعليم والبنية التحتية هو قلب الاستراتيجية المغربية، إذ يجعل الحل السياسي أكثر من اتفاق رسمي؛ بل حياة حقيقية لأهالي الصحراء، ووسيلة لإطفاء شرر النزاعات قبل أن تتحول إلى حرائق لا يُرد لها أثر. بهذا، تصبح الصحراء رمزًا للاستقرار، والمغرب قائدًا في مشروع استباق الصراعات، مسطرًا درسًا تاريخيًا في كيفية تحويل النزاع إلى أداة سلام واستقرار.
إنه المغرب الذي يعرف أن الأمن لا يُفرض بالقوة وحدها، وأن السلام لا يُصنع بالكلمات فقط؛ إنه استباق نار الساحل، ورؤية استراتيجية تجعل من الصحراء قلبًا نابضًا بالأمان، ومن النزاع جسرًا نحو مستقبل مستقر لشبه المنطقة الإفريقية بأسرها.

