"حين تصفق اليد للفراغ"/ محمد ولد عمار

إلى أين نسير؟ سؤال يطارد الضمائر قبل العقول، يجلدنا كلما نظرنا حولنا فوجدنا المشهد يكرر نفسه في دائرة عبثية مغلقة. نفس السلوك الممجوج، نفس الوجوه المتعبة من التغيير، نفس الشعارات الباهتة التي فقدت بريقها قبل أن تُرفع. أي تنمية ننشد إذن؟ وأي مستقبل ننتظر ونحن نعيد أخطاءنا بنفس الإصرار وكأننا نتحدى العقل والمنطق والتاريخ معًا؟

لقد أصبح كل شيء مكشوفًا؛ الفساد لم يعد سرًا، واللامسؤولية لم تعد تُخجل أحدًا، وسوء التنفيذ صارت ثقافة يبررها البعض باسم “الواقع”. اليد الواحدة لا تصفق، نعم، لكن كم من الأيادي تُمد فعلاً لتصحيح المسار؟ وكم من الضمائر ما زالت تحتفظ بنبضها وسط زحام المصالح، والأنانية، والمناصب التي أفرغت من معناها الأخلاقي والوطني؟

كل مسؤول، أياً كان موقعه، يتحمل نصيبه من هذا الانحدار. المسؤولية ليست رتبة ولا توقيعًا على الورق، بل التزام أخلاقي أمام الله والتاريخ والمجتمع. وعندما تتفكك منظومة القيم، يصبح الفساد وجهًا آخر للجبن، والسكوت تواطؤًا مقنعًا بشعارات الوطنية الزائفة.

أي مجتمع نريد؟ بأي هوية؟ بأي توجه؟ أمة بلا بوصلة لا تملك إلا أن تدور حول نفسها حتى تتعب. لقد حان الوقت لإعادة كل شيء إلى نقطة البداية: الضوابط يجب أن تُراجع أو بالأحرى تُحترم. فالقوانين ليست حبرًا على ورق، والمؤسسات ليست ديكورًا سياسيًا.

نحتاج إلى ثورة ضمير قبل أي إصلاح إداري، إلى يقظة عقل قبل أي خطة تنموية، إلى إنسان جديد يؤمن أن الوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالفعل، بالتجرد، وبالمسؤولية. وإلى أن يحدث ذلك، سنظل نتساءل في مرارة:
إلى أين نسير؟ وبأي بوصلة؟